جلسة الكل فيها حضور...

By 10/06/2016 09:10:00 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 



في غرفة صغيرة بنافذة متسعة على حديقة عشبية تطل… جلست الأسرة متكاملة على الآرائك متكئين يبعد فيها الواحد منا عن الآخر أقل من مرمى ذراع… يشعر كل منا بأنفاس الآخر تتردد و دفء الأجساد حميمية الجلسة يزيد…

هنا كان الجميع حاضرا دون غياب… لم ينقص فرد من أفراد الأسر في هذه الجلسة… ولكن هل نحن هنا في هذه الغرفة حقا معا؟
أم أن الحضور كان جسدا وكل منا سرح بخياله و أفكاره وأحاسيسه بعيدا عن هذا الحيّز قريب من فضاء متصل بأرواح أخرى لأجساد تقبع في غرف ماثلة… أكثر قربا من الإحساس منه بمن هو قريب منها؟

يخيم علينا صمت وسكينة... لا تتحرك منا إلا الأصابع وحدقة العين تتفحص ما يحركه الإصبع... 
هل يا ترى كل منا يشعر بالوحدة عندما نجلس جميعا معا، فنبحث عن ما يسلي وحدتنا؟
أم ترانا لا نشعر بالوحدة بتواصلنا مع من في شاشات أخرى يقابلوننا حروفا و كلمات بلا دفء في الأنفاس وتعابير وجه لجسد يقابلنا... أترانا لن نعيش ما عاشه شيوخ وعجائز الماضي مادامت أصابعنا على تقليب المواضيع و الردود قادرة؟
هنا الآن… مازال الصمت يلفنا... ومازال كل منا يحدق في شاشته... ومازالت الأحرف تنساب ملهية العقل عن الجميع رغم أننا... نعم في ذات الغرفة ولا يفصل بيننا أكثر من بعض سنتيمترات... ذاك وصف الأجساد فقط... 
إلى أين إتجهت العقول… الأحاسيس… الأفكار… وما تأثير توهان عقول الأطفال الآن على مشاعرهم تجاهنا...
أتراه عقوق للأبناء هذا الذي يحدث؟

أم أنهم لم يجدوا المتعة والتسلية في الحديث الذي بات مليئا بالمواعظ والدروس النابعة من خوف ضياع أعمارهم فيما ضاعت فيه حياة من أنجبهم، أكثر من إمتلاءه بالمتع والضحك وخفة الروح والتسلية كما هي مقاطع الفيديو في كل تطبيق يجود به الجهاز الذي بالإنترنت يوصلهم؟

لم يصرّح أحد من الجالسين أن الحوار و الحديث بيننا أصبح مملا… وإذا ما دار حوار وإشتعل سوء الفهم وتعالت الأصوات وكل حاول الإيضاح للآخر أنه لم يخطيء وأنك أنت من أساء الفهم، ليفصل أحد الأطراف في الأمر بالصمت ملتفتا لهاتفه مفضلا له على أن يستمر في حوار متكرر لا طائل منه… وعلى الأقل، حواراته في الإنترنت يُسمح له فيها بإكمال جملته دون مقاطعة…

يعود الجمود إلى جلستنا وتسرح الأرواح بأفكارها بعيداً عن مكان إجتماعنا أجسادا لا ترى بعضها لإنشغالها بالتركيز فيما يتشاركه مع الآخرين في عوالم آخرى.

أتراك يا بني منتفع بما تفعل؟
أتراك يا زوجي مستفيد مما تتابع؟
هل أنتِ قادرة على الإستفادة مما تشغلي به نفسك يا إبنتي؟
هل وقتنا هذا يمضي في خير لن نندم على ضياعه يوما؟
مع كل هذا وذاك... مازالت الأصابع تقلب الصفحات وتلامس الشاشات... ومازال الصمت ملكا يطاع... 
أيصلح أن نوقف إشتراكنا في الإنترنت حتى لا تجد الأرواح بأفكارها بدا من مغادرة المكان؟.

ولكنك تحتاج الإنترنت في عملك... تحتاجها في تواصلك وإستقاء أخبارك… أصبحت تحتاجها أكثر من إحتياجك للتلفاز والجريدة فكلها إجتمعت فيه…

ولكن يجب أن نجد حلا لهذه الهوة بين من يجلسون ببعضهم ملتصقين في غرفة واحدة ولا حوار بينهم إلا ما يسد الرمق.
حوار أكثر... مشاركة أكثر ... أسرة واحدة تدعم بعضها، تعيش مع بعضها حقا… 

على الأسرة منا أن تعطي الجرعة الكافية من الإهتمام و التقدير والدعم لبعضها البعض، والتي يحتاجها كل فرد منها ويبحث عنها في منشوراته و صوره وما يجده عليها من تعليقات ومجاملات تشعره أنه أنجز وحقق شيئا أبهر به الغير، أو على الأقل أفادهم… وحصل على الجائزة التي تدفعه لنشر المزيد من الصور والكتابات للحصول على جرعات أكبر من ذاك الإهتمام الذي فقده ممن بجانبه يجلسون…
نحتاج جميعا إلى تغذية هذا الشعور بالإنجاز… فمن الطبيعي أن يبحث الإنسان عن شعور تطمين من الآخرين بما يفعل ليشعره أنه أحسن صنعا و يتحمس للقيام بالمزيد مما سيشعره حقا أنه قدم وحصل على ما يشجعه ليزيد أكثر وأكثر…

أغلق جهازك الآن... والتفت لمن حولك و تحدث إليهم و هنئهم تهنئة بحجم الإعجاب والمشاركة على الإنترنت ... علق على ما يقولون وشاركه بفرحة تضاهي فرحة وإعجاب ومشاركة من يتابعونه في الإنترنت ... 
أغلق هاتفك أو جهازك الآن… حاورهم و تحدث معهم... فالحديث يولد الثقة فيهم ويزيد مشاعر المحبة والإنتماء لهذه الأسرة، الإنتماء الذي يضيع ويُستبدل بالإنتماء لمجتمع صغير مترامي يتفق أطرافه على كل شيء وإن كان خاطئ… 

سأغلق الجهاز الآن و التفت لأسرتي كما ستفعل أنت… لعلنا نعيد الأفكار والأرواح إلى أجسادها لنشعر بدفء وجودنا معا في جلسة أسرية الكل فيها حقا حضور…



شكراً