وعاظ ... و مشائخ

By 7/01/2015 09:54:00 م
السلام عليم و رحمة الله و بركاته 




ما الذي فعلتموه يا وعاظ و مشائخ … بذلتم جهداً عظيماً لأجل دعوة الناس لطاعة الله و تنفيذ أوامره ... بينتم للناس كيف يصلّون و فصّلتم لهم كيف يقفون و أين أيديهم يضعون ، و وضحتم للنساء و العامة كيف يتطهرون و متى يفطرون و يصومون ... نقلتم سير الأولين و تفاصيلها فصلتم و أوجزتم و كررتموها و نشرتم…

حتى باتت تؤخذ كأنها قصص فارغة من محتوى العبرة ... باتت وكأنها قصص عابرة ما إن تبدأ في أولها حتى يقال آه نعم أعرفها لا تكمل ...

عرّفتم الناس بالأوامر و دققتم فيها و على ذلك تُشكرون ... ولكنكم نسيتم صلب الجوهر أن تعلموا الناس و تعرفوهم بمن أصدر الأوامر ...
فمعرفة الأوامر فقط ... سهلّت على الناس عصيانها... و تجاوزها و حتى نسيانها ... ولكن إن عرفت الآمر؟
إن عرفت صاحب الأمر ؟ حق معرفة إقتربت منه و فهمت ... فهل ستعصي أوامره ؟

لا و الله ... ما كان عليه أصحاب خير الخلق من معرفة بالله... رفعهم و رفع سيرهم و طهّر قلوبهم ... فكانت كلمة إتق الله تكفيهم ... لأنهم عرفوا الله ومن ثم عرفوا أوامره ... عرفوا الآمر و عرفوا الأمر ... فإكتملت الصورة ... فإكتملت شخصياتهم و أفعالهم ...

و ماذا فعلتم أنتم؟ 

فصلتم و تبحرتم في الأوامر ... إلا من رحم الله بفقه عميق ... نعم إحتاج العالم للتفاصيل ... ولكن أن تتوه في التفاصيل وتترك الأصل ...
أن تتوه في الأطراف و تترك المركز … أن تركز على كل ما هو ظاهري و تترك كل ما هو جوهري؟ و ليس المقصد بهذا أن نهمل شيئاً من ديننا و لكن … أن نبنيه في القلوب قوياً صحيحاً…

أكثر ما يجذب الإنسان للإسلام ... هو رحمة الله التي أودعها في نبيه و في كلامه ... لمن فهم الكلام ...

كثير ممن لم يكونوا مسلمين ... لم يسلم بعد أن عرف الفروض و تفاصيلها ... ولكنه أسلم بعد أن لامس المعبود الواحد قلوبهم من خلال كلامه في كتابه الكريم ومن خلال تجسيد النبي لذاك الكلام في تعامله و محياه و بعد مماته ... وكم كان سهلا من بعد ذلك أن يأتوا الفروض و زادوا عليها تطوعاً ما إستطاعوا وزيادة ...
ملامسة القلوب التي بها يفقه الناس و يعقلون ... إحساساً و فهماً و تعمقاً ...
كم كان سهلا على الأولين أن يتركوا الخمر و إن أدمنوها ... كم كان سهلا طلاق زوجاتهم الأكثر من اربعة و إن أحبوهن ... كم كان سهلا تغطية النساء لأنفسهن و إن كن يعجبهن الزينة ... كم كان سهلا أن قدّم الرجال الغالي من النفس و المال على حبه … لأجل الدين …
كان سهلاً بعد أن عرفت القلوب صاحب الأمر ... بعد أن عرفت القلوب الله الواحد الأحد ...
بكل سهولة و بدون تفصيل و تشعبات معقدة ... لا إله إلا الله محمد رسول الله ... لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين و لو كره الكافرون … 
فما فعلتم يا أهل العلم المنتشرين اليوم؟ “إلا من رحم الله”

أضعتم جوهراً من أصول الدين بالتركيز على الفروض والعبادات ... حتى أنها أصبحت محصورة ... في نطاقات ضيقة عند العامة … حتى أصبح مفهوم عمل الخير محصور في بناء مسجد اكثر من كفالة يتيم … أو تزويج فتاة … 

وليس لعبادة الله حصر ... فكل عمل تعمله لوجه الله عبادة ... و إن حاولت إنقاذ نملة من أن تطأها بقدمك ... إن فعلت ذلك لله رحمة بخلقه … فهو عبادة ...

أتدري … أن العبادات المفروضة هي جزء من ستين جزءا من الدين ؟ … أي أن هناك تسعة و خمسين جزأ نحتاج إلى توضيحها … الفروض لا نقاش فيها ... و لكن العبادة واسعة ... أن تقف و تتأمل في خلق الله عبادة ... أن لا تغش و أنت قادر ... عبادة ... أن تعفو و أنت قادر على أخذ حقك ... عبادة ... أن لا تسب ولا تشتم ولا تتهم الناس فيما لم تطّلع عليه عبادة ... أن تحب الخير للعالمين بأن يهتدوا للإيمان ... عبادة ... أن تحلم بان تمتلك المال لتتصدق به و أنت صادق مع الله ... عبادة … أن تكف أذاك عن الناس … عبادة … أن تصلح بين إثنين عبادة … أن لا تغش الناس ولا تطفف الميزان … عبادة … ان تغض بصرك طاعة لله … عبادة … أن تأتي زوجك … عبادة … أن تنفق على أطفالك … عبادة … كل ما عليك هو أن تنوي لتكون حياتك لله …

فلما نحجر الأمور و نقزمها في أعمال محددة و كأن الدعاء وحده يكفي … وكأنه أن تكون مع مجموعة ما يكفي …  و أن تحجز الأعمال بحيث لا يقوى أحد على فعل شيء لتجعل من كل حلال حرام ... و من كل مباح باب مغلق … و الأصل في كل ما خلق الله حلال … ما لم يرد في ذلك تحريم من الله …

فماذا فعلتم يا وعاظ و مشائخ … و زد على ذلك أن العامة أمثالنا … يخلطون بين العالم الذي له صفات و مواصفات محددة و بين طلبة العلم … إن إردت إبحث عن صفات العالم و متى يجاز أحدهم ليكون عالماً … 

و إن كنت واعظا أو أنك تسير في نهج العلم و تلقيه … فدعك من إتهام هذا و ذاك و تفصيل ما في قلوبهم على هواك … و عليك بتعريف الناس بالله في قلوبها  … و لتقربهم إليه حقاً… حتى يطيعوا أوامره بفهم صحيح متزن و تستقيم لنا الدنيا … بطاعة الله الواحد الأحد …و يا سعدك من حببت الله لخلقه.

حباً في الله … لنفق و نعود لرشدنا …


شكراً...