الغمّامّات ... و الطريق

By 7/17/2015 03:01:00 ص
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 



لعلك سمعت عن المحجة البيضاء التي تركنا عليها النبي عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم ؟

التي لا يزيغ عنها إلا هالك ؟

 " تركتكم على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك "


المحجة تعني الطريق ... الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه ... و الذي يوصلك إلى الفوز برضى الله ...

تصور معي الآن .مثلاً... أن هذه الطريق هي طريق سريع به ما يكفي أربع خطوط أي تحمل أربع سيارات متجاورة   ... و كلها في نفس الطريق ... أي أنك إن سرت في أي من هذه الخطوط فإنك ستصل إلى نهايتها ...


أترى الصورة التي في الأعلى ؟

أو هذه الصورة ؟



هذه أحصنة جر العربات ... تُلبس هذه "الغمامات" لكي تسير في إتجاه واحد ... الذي يريد صاحبها أن تسير فيه ، و كذلك لكي لا تلتفت لغير ما يريدها أن تلتفت إليه ... للسيطرة عليها بشكل أبسط و توجيهها بشكل أسهل ...


إعتبر أحد مربي الخيول أن هذا غش ... للخيل ... و لم يقبله ...

و ما علاقة الصور بالكلام؟

العلاقة ... أن هناك من يريد أن تسير في خانة واحدة فقط من تلك الطريق التي بها أربع خانات ...  و كلها يوصل إلى ذات الهدف ...

نعم هناك من يريدك أن تترك كل الخانات و تسير في الخانة التي يختارها هو ، و إلا فأنت ضال في طريقك و لن تصل و ربما حتى تتهم بأنك لست على تلك الطريق بالكلية ... 
وبحجة أنه يدلك على الطريق الصواب الوحيد وهو في الخانة التي اختارها هو فقط  ... من ذات الطريق ... و ربما إن سمع أحد أخر يقول بالسير في أي خانة أخرى من ذات الطريق بما لا يتعارض مع أرصفتها ... إتهمه بالتضليل...

بحجة أن ما يقوله هو صحيح و ما يقوله غيره كله خطر و ضلال و كله في النار ربما و خروج عن تلك الطريق ... 
فلماذا يراد لتلك الطريق أن تكون ضيقة كالشعرة ... في حين انها متسع براح ما لم تخطى الحدود ... براح سار فيه الصحابة كل في خانة ... و في ذات الطريق ...

أن تمنع إنسان أن يفكر بعقله ... أو أن يسمع لرأي غيرك في ذات المواضيع و المسائل ... بحجة أنك تحميه من ضلالهم و أنه ضعيف لا يستطيع التمييز  !!؟...

و إذا ما استمعت للعقل يقول  ... وما أدراه هذا الضعيف الذي لا يميز أنك أنت لا تضله و تجعله يصدق كل ما تقول دون أن يفكر؟

و لم أجد في ديننا مما قال الله و رسوله ما يأمر أحداً أن لا يستعمل عقله و يتدبر به و يتفكر به و يتأمل به و يستفتي قلبه ...

و إن إتبعت الحديث بظاهره أو مقصده ، سأجد أن الخلفاء الراشدين ، سار كل منهم في خانة من تلك الطريق فلم يكن بينهم تشابه إلا أنهم جميعا كانوا على ذات الطريق ... و لكن تطبيقهم كان مختلفا كل حسب فهمه و نظرته و استنباطه للمقاصد من الأوامر ...

إن كان لديك فهم ظاهر لكل كلام ... فهناك غيرك من لديهم فهم مقاصد كما فهم الصحابة أيضاً ... وهذا ثابت لا يمكن إنكاره ...

و لكن أن تلبسني "غمامات" بحجة أنك تهديني إلى الطريق الصواب الذي تعرفه أنت و تضيق علي الطريق الحق الذي تركنا عليه النبي ... 
هل تتخيل الموقف؟


فهل يصح أن يأتيك شخص ليقول لك أنه عليك أن تختار هذه الخانة من خانات ذات الطريق فيختار لك منها واحدة و يقول  .... إن لم تسر في هذا الجزء من الطريق فأنت ضال ولن تصل و أنت في الهاوية ...  فأنت مخالف ... 



كلمات رنانة كثيرة قد تسمعها و هي مليئة بالتعابير التي تجعلك صامتا لا تتكلم لأنك تخاف أن تخرج عن تلك الجادة ... و أنت لا تدري هل حقا أنك خرجت ... أم أنك يمكنك إختيار الخانة التي تريد ما لم تصطدم بالأرصفة يمينا و يسارا ...

و قد تلاحظ أن هناك من يسير في هذه الطريق بسرعة عالية ... ومنهم من يسير ببطء ... و قد تجد أحيانا من وقف على جانب الطريق لسبب أو آخر ...


فهلا نزعت هذه "الغمّامّات " و نظرت حولك لترى الخانات الأربعة في ذات الطريق ... و لعلك تساهم أكثر في الدعوة إلى الله لمن لا يؤمن به لننقذ أكبر عدد من الأرواح من النار كما كان يحب حبيبنا أن يفعل  ... و لنكف عن هذه النقاشات العقيمة التي يحاول صاحب كل خانة أن يفرضها على من لا يسير في خانته ، و كل يتحجج بأنه هو فقط على الطريق الصحيح ؟

كغيرنا من البشر مهما علت مراتبهم ... نصيب و نخطئ ... و أن كل صواب يقوم به بشر فهو من عند الله ، و أي خطأ أو زلل فهو منا ...

و هذا جانب يجب أن نراه جميعا جيداً ولا يجب أن نسمح لأحد أن يلبسنا الغمّامّات... و أنه ليس هناك شخص على وجه الأرض معصوم بعد النبي الأمي محمد بن عبد الله عليه صلواة الله و سلامه عليه ...  الذي لا ينطق عن الهوى ... 

جمعنا الله و إياكم في جنته على سرر متقابلين ... 

شكراً