شارع المدار ...

By 5/08/2015 12:49:00 ص
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 


في قيلولة هادئة من يوم أكثر هدوءا … شعر برغبة في أن يحصل لهاتفه على جلد جديد … غلاف جديد ربما كان عليه أن يقول … هناك أغلفة تزيد الراحة في إستعمال الهاتف ، و تشعرك بأنه أكثر تحملاً و صلابة … و أقل عرضة للخدش ، خاصة إن كنت ممن يستعملونه إستعمالا طبيعيا بشكل يظهرك وكأنك قليل الإهتمام بهاتفك … رغم أنك تتعامل معه بشكل طبيعي جدا … 

هاتفه كان ذاك الهاتف الذكي ، الذي يمكّنك من فعل الكثير من المهام و كأنك تعمل على جهاز حاسب كامل أو محمول … يمكنك الوصول لشبكة الإنترنت إرسال الرسائل و طباعة الأوراق و تخزينها ، بالإضافة إلى التصوير و كل الإمكانات التي باتت تشتهر بها الهواتف الذكية بغض النظر عن نسبة إستعمالها فيما لا يتعدى التواصل و الإنترنت … 

قرر أن يذهب إلى حيث يمكنه أن يجد جلدا … غلافا … جيدا بسعر مناسب … و كان ذلك مكانا يدعى بشارع المدار … في أحد مناطق مدينة طرابلس … نسبة إلى شركة المدار التي أسست منذ بدايتها في نهاية هذا الطريق ، ذي الجانب الواحد ، بمنازل صغيرة متلاصقة فقيرة التنظيم من حيث التراصف فيما بينها وتقدم و تأخر سنتيمترات عن بعضها البعض ، و يقطع بين كل مجموعة منها شارع فرعي … تلك المنازل مصفوفة على يسارك عند دخولك للشارع …  و الجهة اليمنى … ليس فيها إلا سور منطقة خضراء الكل يعرفها بالزراعة … و أراها كرئة متنفسة تنفع المدينة … و إن كان أغلب أشجارها … مكسو باللون البني أغلب الوقت … و لكنها حقاً … مكان يزيد نسبة الخضرة و الراحة في المنطقة ، و إن كان ما بداخله شبه مجهول لغالبية ممن يمرون بجانبه كل يوم ، سواء كان من جهة شارع المدار أو من جهة الطريق الذي يحده من الجهة الاخرى جنوبا من شارع المدار … 

قصد ذاك الشارع من حيث كان مستلقيا بعد أن جهز نفسه … و لم يكن التجهيز كلمة دقيقة لمن أخذ حذاءه و مفتاح سيارته و الهاتف في جيبه و إنطلق … 

الشارع معروف بإزدحامه لأنه ببساطة المكان الذي تجتمع فيه محلات بيع الهواتف النقالة و صيانتها و كل ما يتعلق بها … فيمكنك أن تتخيل عدد السيارات ، في شارع فيه ما لا يقل عن ثمانمائة محل للهواتف النقالة ، و كل يأتيه رزقه بما قسم الله له ، و كعادة الأماكن المشابهة التي نشأت بالمصادفة في مكان و إجتمع التجار فيه على مر الأعوام ، و هذا في حد ذاته رزق ساقه الله لأهل المنطقة الذين هيأو غرفا من بيوتهم لتكون محلات تؤجر لمن رغب في ممارسة تجارة الهواتف الرائجة لإقبال الناس عليها رغبة في اللحاق بكل جديد و رغبة في التواصل و الوصول إلى ما يريدون … 

عليك أن تفكر في كيف و أين ستركن سيارتك عندما تتوجه إلى ذاك الشارع ، أو ربما عليك فقط أن تجد طريقك إليه ، و يأتي دور البحث عن مكان لركن سيارتك مصادفة دون أن تدري ، و إن إخترت أن تركنها في مكان ما في الشوارع الخلفية فهو أيضا حل ذكي ، للتخلص من الإزدحام و الجلطات التي تصيب الشارع الرئيسي الذي به أغلب المحلات ، فمع ركن البعض لسياراتهم على يسار الشارع ، و هو شارع بالكاد يكفي سيارتين ، فهاذا يحدث أكثر من جلطة عندما يركن احدهم سيارته يمينا ، و الآخر … يسارا من الشارع …

شيء يعرفه من يقود سيارة لفترة من الزمن … أنك عندما تقود سيارتك و أنت تعرف المكان الذي تقصده و قد الفت المدينة التي فيها عشت زمنا و فترة منه  … في أحيان كثيرة … لا تشعر بنفسك ماذا تفعل ، وتجد أنك تفعل كل شيء بطريقة كأنها لا إرادية مبرمجة مسبقا ، تغير التروس تدوس البنزين تحرك المقود ، في الإتجاه الذي تريد كأنك تفعل ذلك دون وعي منك … 

و ربما في الأثناء تستمع لصديق أو تتحدث في الهاتف و حواسك كلها تعمل معك و تسير في طريقك  و تدخل الإزدحام و تخرج منه و تصل مكانك ، لتبحث عن أين ستركن سيارتك …

صادف خروج أحدهم بسيارته تماما عندما دخل بسيارته بداية الشارع … و كأن المكان هدية منه … فحولهم إزدحام شديد … 

 كان عليه أن يزور أكثر من محل حتى يرى ما لديهم من عروض … بالتأكيد لن يستطيع تغطية كل المحال هناك … فمن يستطيع زيارة ثمانمائه باب أو يزيد ولكن … ما أن يجد ما يريد … بالسعر المناسب … سيعود بهاتفه مكسوا به إلى سيارته و ينطلق … 

بدأ السير على ذاك الرصيف الضيق ، الذي بالكاد يكفي لشخص واحد … و هو ينظر إلى كل محل ليرى إن كان فيه ما يريد ، من اغلفة لهاتفه … 

كان السير هناك خليط من كثير من العاب الكمبيوتر التي تحتاج فيها أن تتخطى حواجز كثيرة ، و تنتبه لكي لا تصطدم بشيء أمامك … 
و أغلب العوائق كانت … مولدات الكهرباء التي اصطفت أمام المحلات ، و كل حسب حجمه كان أمامه مولد يضج بأعلى ما استطاع ليلبي حاجة الاجهزة للتيار ، و كذلك الإنارة للمكان … بدأ ينتبه للمولدات أكثر من إنتباهه لإمكانية ايجاد غلافا لهاتفه…

بات يفكر و يسرح بفكره … و هو ينظر لمن ركن مولده في الجهة المقابلة لمدخل محله ، ربما رغبة في إبعاد الضجيج عنه ، رغم ان جاره له مولد يجانب بابه يزيد من الضجيج أكثر … و الأسلاك تقطع الطريق من المولد إلى المحل ، ولا يبالي أحد إن كانت السيارات تتخطاها … المهم أن لدي كهرباء تدب في الاسلاك و تشغل الأجهزة … 

إستمر في المسير عبر الشارع ، وهو يفكر في نفسه … الا يوجد حل لهذه المشكلة أفضل مما يفعله هؤلاء؟ … لا بد أن هناك حلاً أفضل … فعدد المولدات هنا لا يكاد يصدق ، و يبدو أن كل محل يحتاجه … رغم أن أغلب المولدات لا تقوى على تشغيل مكيفات الهواء … التي يحتاجها الجالس بداخل محله … 

بعد أن نسي ما أتى به إلى هذا الشارع … و دون أن يجد ما عنه يبحث … ركن سيارته أمام بيته … و دخل مسرعا إلى حيث جهازه … و في بعض دقائق خرج ببحث بسيط عن مولدات الكهرباء … ولكن ليس أي مولد كهرباء … مولدات الكهرباء الصناعية ربما … بحث عن أسعارها … لا أدري ما الذي كان يفكر فيه ولكنه كان شغوفا في بحثه … حاولت مراقبته … لأرى ما الذي يفعله … فتح صفحة جديدة في برنامج تحرير النصوص و كتب … 

المولد بقوة ما يقارب عن 3 ميقا وات من النوع الصامت قليل الضحيح ، ثمنه ما يقارب 250 ألف دولار و هذا ما يعادل 500 الف دينار ليبي ، و مصاريف الشحن و التحميل و التوصيل كاملة حوالي 30 ألف ( ابتسم قائلا بالمبالغة ) أي نحتاج إلى إجمالي 530 ألف دينار ليبي ، 
عدد المحلات في الشارع تقريبا 800 محل لو أن كل محل دفع 1000 دينار وهو مبلغ بسيط بالمقارنة بمثن المولد الذي يعمل أمام كل محل الآن … هذا سينتج لنا مبلغ 800 ألف دينار أي أننا يمكن أن نشتري المولد الأكبر الذي قد يكفي حتى البيوت في المنطقة كلها إن تعاون الناس في تقنين إستهلاكهم للكهرباء …أو ربما يكفي ذلك لمصاريف توصيل الكهرباء لكل محل إن لم نستطع إستمعال الشبكة المحلية و تعذر ذلك … و ربما يوفر كمية كافية من الوقود لتشغيل هذا المولد … و قد نحتاج لاحقا إلى توفيره بشكل منتظم ، ولا أعتقد أن هذا سيكون صعبا ، فحتى إن تعاون أصحاب المحلات بأحضار عشر لترات عن كل محل فهذا أيضا سينتج ثمانمائة لتر ، أعتقد أنها ستكفي لشهر كامل أو يزيد …


هكذا بهذا التعاون ، يمكن أن تحل المشكلة بشكل شبه جذري بالنسبة لهذه المنطقة … و قع على أخر الورقة … 

جلس يحدث نفسه … متى نتمكن من التعاون لأجل صالح مشترك ؟

شكراً...