فكنا تو يطلع يطير ...

By 9/02/2014 07:37:00 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 



هكذا كانت الفكاهة عميقة التعبير عن واقع بمعنى بسيط … 

في أحد المرات أصابت الحيرة معمر القذافي ... فقال في نفسه … مهما فعلت لم يعارض أحد من هذا الشعب على شيء فعلته ... أممت الممتلكات و المصانع ، صفق و هتف الناس ... 

أرسلت الطلبة للقتال في حروب لا طائل منها في بلدان بعيدة … صفق الناس و هتفوا …
حددت مبلغ تصريف العملة ... طالت الطوابير على كل كبيرة و صغيرة … صفقوا و هتفوا وسافروا بميزانيات صغيرة … 

لماذا لم يعترض أحد؟ لماذا لم يكن هناك واحد فقط يعترض و يحتج؟

بذلك أصدر قرار بأن تُنشأ بوابات في كل طريق ما بين كل بوابة و أخرى اثنين كيلو متر … و عند مرور أي مواطن يخلع حذائه ليعاقب بالفلقة …  و من ثم يستمر في طريقه … 

طُبق القرار بتوجيهات من الأخ القائد … و أصبح الجميع يمرون من بوابة لأخرى وهم يضربون الفلقة بعد الاخرى …

أنتظر أعتراضاً أنتظر أحتجاجاً … ولكن لا شيء …

فقرر أن تكون المسافة كيلو متر واحد فقط  ( في النكتة الاصلية كانت كيلو و نصف :)  ) 

أستمر الحال على ما هو عليه و لم يحتج أحد … 

أستشاط غضباً … و جعلها نصف كيلو متر … و لكن … لم يعترض أحد بل إستمر الحال على ما هو عليه و الجميع يقضون أوقاتهم من بوابة لأخرى يتلقون الفلقة و يمضون في حال سبيلهم … 

فأمر بان تكون المسافة مائتي متر فقط … 

و في أحد الأيام … عند الصباح … أوقِف أحدهم بسيارة مهترئة … و طُلب منه أن يضع رجله لكي يضرب الفلقة … فصاح … هذا لا يصح ولا يجوز … هذه ليست حياة … ما هذا الذي تفعلون … و أخذ يصيح فيهم بإحتجاج مستمر …

وبما أنهم لديهم أوامر بأن يُنقل كل من إعترض إلى القيادة مباشرة ليقابل القائد و يسمع منه سبب إعتراضه و يفهم و يعرف لما هو بالذات من دون الناس إعترض و إحتج؟

أوصل الشخص و هو بين هذا وذاك يدفعهم  و يحاول أن يفك أيديهم عنه … حتى أُدخل على مكان وجد فيه معمر واقفاً … 

فسأله … ماذا هناك لماذا أنت معترض؟ 

فرد الرجل … يا الأخ القائد … (كثّرو الي يضربو في الفلقة عشان الامور تمشي بسرعة بسرعة و نتسقدو ) 

أي يا أيها القائد … أكثرو الذين يضربون الفلقة لكي نمضي بسرعة ولا نتعطل عن أعمالنا … 



قد تكون النكتة طويلة إذا ما حُكيت بهذا الشكل و هي أقصر بكثير عند إلقائها …
أول مرة سمعت فيها هذه النكتة كانت في نهاية الثمانينيات … وكان هناك غيرها كثير … ربما بعضكم يذكرها عندما إعترض أحد الحضور ليسأل ( الحبال منا ولا منكم ) هذا النوع من النكت فيه تعبير عميق جدا لحال الناس في تلك الفترة وربما إنعكاسه الان واضح لك وأنت تقرأ الان ...

حال الناس من ركود العقول و تبلد الإحساس ربما ( إلا من رحم الله ) و ربما من الخوف العام و عدم وجود شجاعة الشجعان التي عرف بها الليبيون بسبب فلم عمر المختار … الذي انتج في تلك الفترات فتغيرت نظرة الكثيرين لليبيين بصفة عامة … و عُرفوا بأنهم الشجعان الأبطال …

هل تذكر نكتة ( فكنا تو يطلع يطير؟ ) و نكتة ( يرفع و يجيب؟) و كذلك ( ميت ويطير؟) 

تلك تعبيرات قوية جداً عن حال واقعٍ أيا كان مصدر النكتة و كيفما كان … 

ألا ترى أن النكتة تُعبر عن واقعٍ ملموس في شريحة كبيرة من شعبنا ؟ “ إلا من رحم الله “ 

ألا تعتقد أن الناس هم السبب … ؟

قد نرى إمتداد لتلك العقلية الآن … و قد يكون أساسها من طبيعة موجودة أساساً في شريحة لا بأس بها من الليبيين … 

و ذلك بأن هناك عطش لمن عليهم يتسلط ، فقط بإمتلاكه بعض القوة … أو المال الذي يمكنه شراء القوة … وكأن هناك بحث مستر عن شخصية تصبح رمزاً لكي تُعلّق عليه كل الآمال … شخصية تصبح رمزاً ليطغى بها من حاشيته من يطغى و يستعمل سلطته من يستعمل و يسيح في الأرض من يسيح … وربما يمتهن التمشيط من يمتهن ... 

قد تكون الشخصيات الرمزية تكاثرت الفترة الماضية ولم يعد الامر يقتصر على شخصية و احدة … و ربما هذا سبب وجود صراع مستمر إلى جانب رغبة الإنسان البسيط إلى أن يجد خبزه و وقوده و إنارة بيته و إتصاله بالإنترنت في أمان تام ولا يبحث عن غير ذلك … 

ووجود أكثر من رمز و أكثر من إتجاه و غباء تلك الرموز بأنها لم تتحد حتى على ما هو متفق عليه لتكون لهم قاعدة نظيفة ينطلق منها الجميع على الأقل … ليتوفر للإنسان العادي البسيط ما يريد من سبل العيش الأساسية التي عادة ما أثبتت أنها تكفي لتستمر الحياة بسلام في مجتمعاتنا عامة …

فهل يمكننا أن نخاطب أتباع تلك الرموز؟ أو لائك الأتباع العميان الصم ؟ و ليتهم أكملوها بأنهم كانو بكم … فلا ينطقون لكي لا تزيد الفوضى في المكان …

أم علينا ان نخاطب تلك الرموز الحمقاء … لتتفق مع بعضها لعل الأتباع ينساقوا خلفهم و تهنأ البلاد بخبز و وقود و إنارة … 

أم أن الخطاب يجب أن يتجه الى عامة الناس الذين لا يتبعون تلك الرموز ولا يهمهم أي شيء إلا الأساسيات من الحياة ، و نجتمع مع من هم قادرون على رؤية الأمور بوضوح ممن يفهمون جيدا ما يحدث … ليكون هناك وعي عام و فطنة كاملة للسعي إلى إنجاز قاعدة صلبة بما إتفق عليه الجميع دون إستثناء … 

بالتركيز سنجد أن ما نتفق فيه أكثر بكثير مما نختلف فيه … ولكن العقول تربت على أن ... خُذ من الأخر قبل أن يأخذ منك و لا تترك مكانك حتى لا يأخذه غيرك و إن كنت لا تحتاجه و يحتاجه غيرك … و إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب … و الكل يرى أن الآخر هو الذئب … وعليه أن يقتلع رأسه ويسلخ جلده و يعلق نابه عقدا على رقبة زوجته كي يستطيع العيش … 

لا … ليست هذه هي الصورة إن كنا نملك عقلاً به نفكر … ولكن … إضمحلال الفكر و سيطرة غريزة البقاء الأساسية و الرغبة في أن ( خلوني في حالي ناكل و نشرب و نعيش حياتي ) جعلت ذاك الرجل يطالب بأن يزاد في عدد من يضربون الفلقة حتى تسير الأمور بشكل أسرع … 

هذه رسالة إجتماعية ... لمن كان يملك قلباً وحساً ... ليساهم في كف الأذى و الإقتراب من البحث عن النقاط المشتركة بيننا ... حتى تكون لنا قاعدة ننطلق منها ... فلن يصح أن يطلق علينا تسمية مجتمع ما لم نملك ما يربطنا ببعضنا البعض بعيداً عن الارض و النسب و قرابة الدم  ...

فهل لنا أن نجتمع على ما يفيدنا جميعا ؟

شكراً...