لما يحارب القرآنيون أنفسهم؟

By 6/19/2018 11:45:00 م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 




القرآنيون ... يقولون أنهم يأخذون فقط بالقرآن ولا يعترفون بالسنة وما ورد فيها من أحاديث...  ويتهمون الآخذ بها أنه يخترع لهم ما لم ينزل به الله من سلطان... 

ولكن اذا ما أخبرتهم أن القرآن هو من أمرنا بأن نأخذ ما يأتينا به الرسول ونترك ما ينهانا عنه، وأن الرسول لا ينطق عن الهوى إن هو وحي يوحى، أي أن النبي وكل ما نها عنه و أمر به هو من أمر الله ، والكثير من الآيات تربط رضا الله ورسوله وأمر الله ورسوله بعضها ببعض تأكيدا أنه لا ينطق عن الهوى.

فما المشكلة؟
ولما تفك الإرتباط بين ما قال الله أنه واحد؟ 

بعض الأطعمة التي نحبها تحدث تهيجا فينا ويظنها الجسم ونظامه الدفاعي هجوما عليه فيأخذ في محاربتها والقضاء عليها ظنا منه أنه حقا يخلص نفسه من عدو مهاجم. 
وهذا يحدث أحيانا مع أكثر الأعضاء حيوية في الجسم مما يؤدي إلى الوفاة السريعة أحيانا ومن الذي قتله؟
خوف نفسه عليه من نفسه وما يفيده قتله... محاربته لنفسه من نفسه فيها قتله... 

ولن تحل هذه المشكلة مع جهاز المناعة إلا إذا أقنعنا الجسم بأن ما يحاربه ليس مهاجما معتديا وليس جسما غريبا وليس ضارا بك ولكن الحقيقة فقط أنه أخذ شكلا مختلفا جعل منه يبدو كعدو لك لأنك لم تنظر له بعين متفحصة وتتعرف عليه... 

فما يحاربه القرآنيون حقا هو فهم بعض أهل العلم أو المتعالمين أو المحسوبين على العلم الشرعي والمالكين لأسماء لامعة مشهورة بسبب إمتلاك أدوات إعلامية واسعة لمن يدعمهم وحديثهم بكلام لا يفهمه الناس وكله مغلف بقال الله وقال الرسول، مما أدى لتصديقهم خاصة أنهم وجدوا فئات فارغة العقول لم تكن تعلم ماهو الدين وسمعت كلاما كبيرا عليها مفاده قال الله وقال الرسول فتشبعت بها وتشربتها بما فيها من أفهام أصحابها إن أردنا التخفيف من وطأة الكلمات. 
فهل ما يتداوله الناس من مفاهيم هي حقا قول الله ورسوله أم هي متداولة بما فهمه أهل العلم وأوصله للناس؟ وهل المتداول كله فهم صحيح؟ أم أن الفهم يحتمل كل الأوجه؟ 

كونها قول الله ورسوله فالقرآن لا شك فيه ولا يمكن تحريفه...

وكذلك السنة الأصيلة التي هي ذكر من عند الله ووحي يوحى محفوظة من الله ولكن هل ما تفهمه عن حديث ما هو حقا المقصود من ذاك الحديث؟
ولعل محاربة القرآنيين النابذين للسنة نتج عن محاربتهم الأفهام الناتجة عن محاولات أو إجتهادات " وإن كان الإجتهاد مرتبة عالية جدا لم يصل إليها في زماننا أحد أو لنقل إلا من رحم الله " أو حتى ترجمة لفهم كما فهموا؟
هناك أصول علمية دقيقة كأي علم من العلوم لفهم وتفسير وإستنباط الأحكام وتطبيقها على الواقع. 
فالفقه علم والحديث علم والتفسير وإن كان القرآن لا يفسر فكلمة التفسير تعني إتيان المقصود الحق من الكلام وهذا شيء لا يستطيعه إلا الله وإن كان لأحد أن يفسره لكان النبي ولكنه لم يفعل. 
 
ولأن بعض الأفهام خالفت المقصد من الحديث أو الآية فضيقت على الناس حياتهم وإعتبرت من لم يأخذ بهذا الضيق ضالا ومن أخذ على دينه كجمرة قابض،  فإن المعادين والمبتعدين عن هذه الأفهام وعن الدين عامة وكما في حالة القرآنيين عن الحديث بشكل عام والتمسك بالقران فقط وتغاضيهم عن ما في القرآن من حث على أخذ ما أتى به النبي الذي يتحدث بوحي وليس عن هواه.
 
إنما يعادون أنفسهم بظلم النفس بالإبتعاد عن الوحي بسبب فهم البعض فهما إعتبروه هو الأصل في الحديث وليس الحديث نفسه بما فهمه غيرهم دون فرضه على أحد، وقد يكون السبب في ذلك هو الشهرة للبعض دون غيرهم ممن إشتغل في هذا المجال.
فهم حقيقة يعادون فهما خاطئا أو لنقل أحد أفهام الأحاديث والآيات التي عبر عنها أصحابها وإن لم يكن يوافقهم عليها الجميع، ولقلة العلم أصروا عليها وحاربوا من أجلها وضللوا وبدعوا من يخالفها وهذا في حد ذاته إبتعاد عن منهج الدين ومنهج الصحابة ومن تبعوه رحمة للعالمين أرسل... 

وهو من الأخطاء الفادحة التي يمكن لإنسان أن يرتكبها. 
وأمثلة على أختلاف الأفهام كثيرة فمنهم من أغلى التأويل في آيات وأحاديث معينة مما أدى به للخروج بمعاني وأفهام مختلفة تماما عن ما يمكن للعقل أن يستوعبه وبالتأكيد هناك حل لمسألة العقل أن الدين يؤخذ بالنقل وليس بالعقل وهذا تحجيم للدين أيضا وليس صائبا كما وصف أهل العلم أيضا، فلا يمكنك فهم القرآن إلا بفهم اللغة ومعاني الكلمات ومقاصدها... وإن أخذت النصوص على ظاهرها دون تأويل فإنك ستقع في إشكالات كثيرة فتجد أنك مضطر للتأويل في جانب وتلغيه في آخر...  فمثلا
حديث رسول الله ﷺ القائل: ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى ينفجر الفجر[1] متفق على صحته.
هنا إن لاحظت هناك إتفاق على صحته كما ذكر ولكن هل هناك إتفاق على معناه؟ لا ليس هناك إتفاق على معناه ولكن المشهور والمنتشر أكثر هو... 
فهناك قول بأن هناك نزول يليق بجلال الله وليس مثل نزول البشر فالله ليس كمثله شيء، وهو فهم على الظاهر دون تأويل ، فهناك كلمة نزول إذا هناك نزول لا نعلم كيفيته. 
والقول الآخر في ذات الحديث، وهذا ما يجب أن يفهمه الجميع بوجود أقوال وأفهام مختلفة لذات الحديث وهو أن الحديث يبين بركة الثلث الآخير من الليل بمعنى أن الله قريب كما يذكر في حدث " ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا الدعاء } . رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ) . 
فالثلث الآخير من الليل في السماء الدنيا كل دقيقة ربما أو كل ساعة، فالتعبير بالنزول إنما هو علامة بركة تلك الساعات من الليل التي يستحب فيها الدعاء. 

وَمِمَّا يزيد التعقيد أن أصحاب الرأي الأول يعتبرون من يستعمل عقله في هكذا مسائل مخالف لأن الدين بالنقل وليس بالعقل والله يخبرنا في أكثر من موضع في القرآن الكريم أن نستعمل عقولنا ونتدبر ويعيب على من لم يستعمل عقله ولم يفقه ويفهم... 

مثال آخر في قول الله (( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) ) الفتح
الفهم الأول أخذ الكلام على ظاهره وجعل لله يدا كانت فوق أيديهم عندما بايع الصحابة النبي . وبهذا أثبتوا لله يدا ويقولون بأن الله أثبت لنفسه ذلك ونحن نؤمن به كما جاء ولا نؤوله ولا نبحث له عن معاني أخرى. 
والفهم الآخر فهم المعنى والمقصد أي أن الله مبارك لهذه البيعة مؤيد لها واعد لمن بايع الجنة لأنه بايع الله كما بايع النبي. 
خاصة ان هناك آيات اخرى تذكر أيدينا بالجمع وليس يد واحدة فقط وهناك آيات تأتي بأعيننا وغيرها من الآيات.
 
الأمثلة في ذلك كثيرة جدا وفي الكثير من النواحي التي أثرت في الحياة بأخذ شكل من أشكال التأويل أو منع التأويل، أن تأخذ بالظاهر في النص أو أن تأخذ بمقصد النص.
من أهل العلم من لم يحارب الرأي الآخر في أن تأخذ بظاهر النصر وهو ما ينطبق على الإجتهاد في إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر... ولكن هناك من إختار تبديع وتضليل وتفسيق وإفساد عقيدة من لم يقل بفهمه هو، وكما سلف هم من لديهم الإعلام وكثرة الإنتشار ودعم مادي قوي جدا لينتشر رأيهم عن الآخر حتى ظن الناس أن هناك رأي واحد فقط لا سواه وهذا هو الدين وهذا هو كل شيء وليس هناك باب آخر فكانت المعاداة بشتى الطرق، فمن الناس من خرج عن الدين غضبا وهو الخاسر ومن الناس من إختار الإنفلات من السنة والأحاديث دون بحث عن صحيحها وضعيفها وتأويلها وأقوال العلماء المتنوعة وأيها يصلح دليلا وأيها لا يصلح دليلا وأيها لا يرتقي للأن يؤخذ به أيها لا يرتقي وهو علم واسع، وضرب بها جميعا عرض الحائط معترفا فقط بالقرآن وهو أيضا يحارب نفسه... فجوابه في القرآن موجود. 

فما يفعل الأطباء بمن حارب جسمه نفسه؟. 
يحاولون إقناعه أنه يجب أن يفرق بين العدوى الحقيقية وبين ما هو صالح وسليم وجزء منه لا يتجزأ... إنما هو بحاجة للنظر إليه من زاوية أخرى... 

كما يجب على الإنسان أن يبحث عن الحق بمفاهيم صحيحة، وإستنباط صحيح من مصادره التي قد لا تكون مشهورة ولا متداولة، ولا يأخذ رأيا واحدا يفرض نفسه ويسخف غيره من الآراء على أنها جميعا خاطئة وهو فقط صحيح، مع التأكيد على أن هذا في حد ذاته مخالف لدين الله محاربة له واضحة، وبدلا من ترك الأمر كله، إرجع للحديث وإبحث عن أقوال غيرهم من العلماء وما إتفقوا فيه، فإقرارك بأن العلم ليس له أهل غير فئة واحدة في حد ذاته يبعدك عن العلم ويخرجك من دائرة الباحثين الراغبين حقا في الوصول لنور الفهم والعلم. 
وإن بحثت وتمهلت وإستعملت عقلك وقلبك فإنك ستهتدي لفهم صحيح ونظرة أكثر وضوحا لأحاديث خير البرية التي حفظها الله بحفظه للذكر وما يكمله مما أوحى لعبده. 

فلا تحارب نفسك وإبحث وإعمل عقلك ولا تسلمه لأحد، فالعلم له أصوله واللغة لها أصولها والحديث له أصوله... وإن نزعت اللغة من كل ذلك فستتوه في طريق وعرة... ومن رحمة ربنا بنا أن هناك إختلاف آراء ... فلا تتمسك برأي وتضر نفسك بمحاربة الأصل وأنت ترفض الفهم. 

شكرا... 



ملاحظة: الصورة ليس لها علاقة بيوم الجمعة