لاجئ ... إن كان ولابد ...

By 9/03/2015 08:12:00 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته



إستغرقنا ما يقارب الخمسة عشرة يوماً أو يزيد ... حتى وصلنا طرابلس ... كانت رحلة محفوفة بالمخاطر ... و جدنا خلالها أنفسنا في غرفة مظلمة ... إعتقدنا أنها فارغة ... و لكن عندما دخلنا ... وجدنا أنها مليئة بالبشر ... كان ذلك في الحدود مع ليبيا من مصر ... دفعنا مالاً حتى نستطيع الوصول إلى هناك ... و بتنا الليلة هناك... كان طعامنا فيها خبز جاف و بعض جبن المثلثات...

في أحد الليالي و بدون سابق إنذار ... سارع أحدهم إلى غرفتنا و هو يقول ... هيا هيا ... بسرعة ... كان الظلام يحيط بنا ... وجدنا أنفسنا في سيارة نصف نقل ... كأننا بضاعة ... مكومة على بعضها البعض ...

وقفت السيارات ... و تم تبادل البضائع ... من الطرفين ... بالسيارات مباشرة ... نحن مقابل بضاعة أخرى ...

و دخلنا الحدود ... ثم إنطلقنا و كل كان عليه أن يجد طريقه حيث أراد ...

وجدنا شاب قال أوصلكم إلى طرابلس بمبلغ كذا ... و ليتنا لم نركب معه ... فقد بدأ يدخن الحشيش في الطريق و نحن نحاول أن ننبهه ... ولكنه كان يدعي البطولة و أنه لن يتأثر ... حتى وجدنا أنفسنا في سيارة مقلوبة رأسا على عقب ... خرجنا منها بإعجوبة إستمرار أجلنا ...

بعدها ببعض أيام ... ها أنا أحكي لك قصتي كيف دخلت إلى ليبيا فاراً من الحرب في سوريا تاركا أهلي هناك و خطيبتي ، لعلي أجد عملاً أو اهيئ لنفسي حياة أفضل لكي يلحقوا بي أو ألحق بهم ...


هذا ما أذكره من قصة شاب في بدايات العشرين ،  خلوق مهذب و لطيف ، و نشيط جداً و راغب في العمل كما هو معهود على أهل الشام ...

عمل في مكتب كمبيوتر ... ثم إنتقل للعمل في محطة إذاعية مسموعة كمذيع ... لأنه كان يملك القدرة على ذلك نطقا و فصاحة ...

وصلني تنبيه عن أن هناك من يطلب صداقتك على موقع الفيسبوك ... تفحصت ... وجدت أنه هو ذات الشخص ... ولكن حسابه يقول أنه الآن في السويد ...

أهلاً كيف حالك ... كيف هي الأخبار ...

بخير ... أفضل حالاً بكثير ... مما كنت عليه ... و رحلتي إلى هنا كأنت أكثر أمانا و سهولة و أسرع من رحلتي إلى طرابلس ... التي أخبرتك عنها ... 

قائم الآن مع مجموعة من الشباب هناك على قناة إذاعية بالعربية موجهة للاجئين ... و تحاول عرض قضايا تهمهم و كذلك تساهم في إندماجهم في المجتمع ... نشاط ...


أتذكرون ؟ 

كيف إستقبل الكثير من الناس خبر وصول اللاجئين من سوريا هربا من الحرب ، التي يمكن أن نسميها حقاً حرب ؟ 

هناك من إستقبلهم بالترحاب و فتح الأبواب و تسهيل الطريق و إزالة كل العوائق أمامهم ليتمكنوا من إيجاد ملاذ آمن لهم و لأهلهم ... و هم كثر ... ممن فتحوا بيوتهم و أوسعوا قلوبهم ...

ولكن قد نحتاج الى التذكير بمن لم يرغب في وجودهم منذ البداية ... و من إستغل ضعفهم ... و إستغل حاجتهم ... رغم أن أغلبهم لم يأتي خالي الوفاض ... و كان لديهم إستعداد للعمل فيما لا يحب إبن البلد أن يعمل فيه ...

بل هناك من استأجر بيتا ... ليجد أن المؤجر يزيد عليه في الثمن ... و بات إيجاد منزل بإيجار مناسب أصعب من ذي قبل ... و ربما هذه خصلة حدثت حتى لمن خرج من مدينة ليبية هربا من حرب دمرت بيته ليزداد الإيجار عليه أيضا ...

أتذكر؟ 
من كان يقول ( ما عقبو علينا شي وين ما تمشي تلقاهم و الله كان يفكونا منهم و يسكرو عليهم الحدود البلاد تعبت بهم حتى الاجارات زادوها) 

أتذكر؟

من كان يقول ( لو كان بيدي نسكرها الحدود نحن مش ناقصين الي فينا كافينا ) 

أتذكر؟

من كان يستغل حاجتهم و يزيد في ثمن الإيجارات و يزيد في استغلالهم؟

مع أن هناك من حاول كسب قوته بعمل يده ... هناك من حاول صناعة الحلويات و صناعة الأكلات أو العمل بما لديه من حرفة ... أو حتى بيع المناديل في الشوارع ...

لنتذكر أن استقبالنا لم يكن كما ندعي الآن تعاطفا مع طفل أتاه أجله غريقا ... نسأل الله أن يعد من الشهداء ... 

و لنتذكر ... أن المواقف لها رجالها ... في الفعل  ... و ليس فقط في النظري ... 

إن أردت التعاطف حقاً ... فالواقع فيه الكثير مما يمكنك فعله ... أقله ...

تقبّل الآخر ... تقبل إختلاف الرأي و الجنسية و اللهجة ... أقله ... أن تكف اذاك عن الآخرين ... 

نحن مجتمع عنصري بإمتياز ( الا من رحم الله ) نعم عنصريين ... نريد من أي بلاد أن تستقبلنا و تعاملنا كأننا مواطنين و لكن لا نرضى أن نعامل من يأتينا كذلك ... و لا نقبل تزويج بناتنا لمن لا يحمل جنسيتنا و إن كان أفضل من ألف ليبي خلقاً ... لا نعامل الزوجة الغير ليبية كما نعامل الليبية ... و إن كانت أفضل خُلقا و خلقا ... لا نتعامل مع الغريب المحتاج ... كما يصيح الكثير اليوم أن أهل النمسا و ألمانيا أفضل منا إنسانية ... 

فهل يا ترى يا من تصيح و تطالب وتتعاطف ... عندما وصلك اللاجئي إلى حيث تعيش ... فكرت في أن تمده ببعض الماء؟ أو بعض الغذاء؟ 
أنت تعلم أن كثير منهم ينطلقون من أرضك هنا ... فما الذي فعلت؟



و ربما ... من جانب آخر ... و كما يقول المثل " مريض على ميت متكي" فهل يصلح أن يقود الأعمى البصير؟ 

لماذا نلوم اللاجئين أنهم يتوجهون إلى أوروبا؟ 

لأن خبر هذا الشاب الذي ذكرت ينتشر و يصل إلى الأهل هناك ...

فعندما أكون أنا لاجئ ... هل سأخبر أهلي كذبا أن ليبيا أو مصر أو غيرها من البلاد رحبت بي و أكذب عليهم أنني عشت فيها حياة و أيام هنية و ما رغبت أن أنتقل إلى أوروبا في رحلة خطرة؟

أم اخبرهم أنها فقط معبر لأن هنا حيث أنا في السويد ... الحياة تختلف ... الحياة مستقرة و هناك إنسانية و مساعدة مهما كانت النوايا ... مساعدة بحكم القانون ... القانون الذي طبقه الأوروبي على نفسه أن يجب أن تمد يد العون لمن وصل أرضك ... ناهيك عن المواطن العادي و تصرفه ... عندما خرجت من ليبيا ... شعرت أني تنفست ... أني إنطلقت في الحياة ... و هذا ما أخبرت به أهلي ... فهل سيتركوا طريق السويد و يأتوا إلى ليبيا أو السعودية التي فيها مجتمع عنصري كغيره من المجتمعات البدوية " إلا من رحم الله " 

كيف نريد للدول العربية أن تقبل و هي من تربي على العنصرية و العرقية و أن جنسيتك هي فخرك ... و أرضك لك وحدك ولا يهمك غيرك ... 

كيف نطلب من العربي أن يفعل ذلك و الكويت تسمي الغريب بدون ... والجوامع فيها يقوم على تنظيفها ... البدون 

كيف نطالب بأن نتصرف و نحن في بلادنا ... لم نستطع خلق وسط نستطيع نحن فيه أن نكون اليد التي تعطي ولا تسلب ... 

هل تذكر؟ 

كم إنتشرت فكرة الزواج من السوريات و إن كانت حقيقة أو كذبا ولكنها إنتشرت ... و كم غارت الفتيات و خفن على أنفسهن أن شبابنا سيذهبون للغير؟ 

كم خبر سمعته عن هذه الأشياء و الإستغلال فيها؟ 

كم خبر سمعته عن عدم الرغبة في إستقبال المزيد؟ 

كم نقاش عقيم دار بين الكثيرين أضاع وقتا كان الأجدر أن ينفق في العمل؟

إن كان ولابد ... أن تتعاطف ... فكن واقعيا ... وربما ... ربما ... أكثر ما تستطيع فعله هو أن تطالب التجار أن يوفروا مراكب أكثر أمانا للعبور ... لأن ذلك أسهل على ما يبدو من جعل هذه الأرض أكثر ملاءمة للبقاء ... 

فلا تكذب على نفسك ... ولا أكذب على نفسي ... 

لستُ بريئا و لسنا أبرياء و لسنا خاليي قضية ... 

بل نحن جزء من هذا النسيج و إن كنا نحاول أو نبذل بإستحياء ... أن نفعل ما نستيطع ... ولكنه يبقى ... فقيرا ... إلى فعل يقال عنه أنه ... فعل رجال ... 

الخبر ينتشر ... و بالطبيعة كل من سعى للهجرة أو للجوء إلى دول أوروبا ... سمع بالمعاملة و الحياة التي حصل عليها من سبقه ...

فلما لا ... و ليس في المسلمين ... من يضغط ليوقف الحرب ... لا أن يستقبل لاجئين ... هربا من الحرب ...

فقط أوقف الحرب ليكون العلاج ...

و إن لم أكن لأوقف الحديث في هذا السطر ... فإني سأقول ...

أن العرب منشغلين بإتهام بعضهم ، فشيخ هذا دعا للحرب و عليه أن يتحمل الإثم ... و شيخ هذا لم يدعوا للحركة لإنقاذ و إستقبال اللاجئين فعليه إثم ... 
وربما من أكبر الجرائم أن نقول ... نحن العرب ولا نقول ... مسلمين ... 

و حتى من كفر بكل المشائخ ... لم يملك لنفسه بدا من لوم الجميع إلا نفسه ... أن بلاد الغرب أكثر إنسانية من بلادنا ... ولا أدري أين كان و أين هو الآن و اللاجئين مازلوا يأتون شواطئك أفواجا ... و يرحلون منها راكبين الهواء أمواجا ... 

لا برأة لي و لك و لنا ... ولكن عليك و علي واجبات كثيرة ... ليقوم بها كل في مجاله ... حسب إستطاعته ... و ربما يجب أن نقول أننا إكتفينا ... من "ندابات قريش و ولولتهن " 


شكراً...







أكمل قراءة الموضوع...