الإنتحار...

By 4/23/2017 11:04:00 م
السلام  علكم و رحمة الله وبركاته 




كلما تكرر حدث ما و إنتشر زادت حوله التكهنات و خاصة عندما يكون الغالبية مهيأين لإستقبال أي خبر سيء أكثر من غيره كأنها تغذية لشيء ما في النفس ، هربا من الهموم إلى الهموم... ناهيك عن من يستقبل الخبر كشيء يمكن أن يجربه بنفسه ليفعل ما فعله كل من وصله خبرهم ... 
ولكن السؤال المتكرر لماذا الإنتحار؟ وما الذي دفع إليه؟ 

المعروف أن الإنسان يحكمه العقل ... وأن العقل هو اللجام الذي يعقل به أحدنا ليميز الخير من الشر .. ومن نعم الله علينا أن العقل لا يمكن أن يسبب ضررا لصاحبه.. و إن أردت التجربة .. جرب عض على لسانك الآن... و حاول محاكاة تلك العضة التي تأتي مصادفة عندما تأكل و تعرف حقا كم هي مؤلمة ... ولكنك لن تستطيع محاكاتها إراديا ... لأن العقل بطبيعته مهيأ انه لا يضر نفسه مهما فعلت وأنت في كامل وعيك... 

و هذا يشير إلى أن من يقدم على إيذاء نفسه قليلا أو كثيرا ، فهو في حالة فقدان لهذا العقل و ليس في كامل وعيهسواء كان فقدان مؤقت أو طويل الأمد و كما أن التكليف يتوقف على العقل فإن عدم وجود العقل قد يعني أن لا تكليف على صاحبه ولا ملامة... 

ولكن هذا يأتي بنا إلى سؤال آخر ... و هو كيف يصل أحدنا صغيرا كان أو كبير لمرحلة إحتجاب العقل لدرجة أنه يؤذي نفسه في أغلى ما يملكه ؟ 

الإجابات على ذلك كثيرة ولها زوايا عدة ... ولكل مجتمع طبيعة حياة وعادات ، بالتالي معطياته تختلف عن غيره و ستخرج بأجوبة مختلفة عن غيرها من كل مكان وتفسيراته… 
فمسألة الإيمان المستقر بالقلب تغير كل الموازين ... و تصرف عنا أشياء كثيرة فالإيمان قوة نفسية إيجابية تثبّت الإنسان في كل حالاته و تجعل مواجهة الصعاب أمرا أكثر سهولة ... و لك في التاريخ و قصص الشخصيات المؤمنة خير دليل مما واجهوه ، ولولا قوة إيمانهم ويقينهم الذي غذى صبرهم و إصرارهم لما تمكن أحد منهم من القيام بما قام به... وربما هناك أمثلة في زماننا هذا أيضا… 

و الإيمان هنا المقصود منه الإيمان بالله الواحد ... فهناك إيمان بأفكار آخرى قد تعطي الشخص دافعا إلى حد ما... 
و إذا ما نظرنا إلى أعمار الذين تصل الآخبار أنهم قاموا بإنهاء حياتهم ... فهم غالبا أطفال في نظر المجتمع و أهلهم وهم مكلفين محاسبين عند الله لأنهم بلغوا ، و هذا يعني أن عقولهم إكتملت وإلا لما كانوا مكلفين... 

و هذا ما يأخذنا إلى إسلوب تعاملنا بشكل عام في مسألة التربية ... و كيف نتعامل حقا مع أبناءنا و كيف ننشئهم و ما الذي نزرعه فيهم  إن كان الوالديان يزرعان شيئا على كل حال  ... ناهيك عن مدى التواصل بين الوالدين والأبناء في كل مراحل حياتهم ، خاصة تلك المليئة بالتغيرات الجسدية و العقلية و الفكرية التي ستبني شخصياتهم التي ستبقى معهم طوال حياتهم ، و بها وبما إكتسبوه فيها سيواجهون العالم أينما أخذتهم أنفسهم… 

ومن المعلوم أن الإنسان مشاكله لا يمكن أن تنحصر في عنصر أو عنصرين ، فمشاكلنا نحن البشر شخصية كانت أو جماعية ، هي مشاكل مركبة جدا تتداخل فيها العديد من المعطيات و المقادير ، و ما يوضح لك ذلك ، أنك لا يمكن أن تجد مشكلتين لشخصين مختلفين تتشابه في كل شيء مهما فعلت ، حتى وإن كان الإثنان في ذات المكان و ذات العمر و الجنس و غيرها … 

فما الذي يدفع الأبناء مهما كانت أعمارهم إلى إنهاء حياتهم؟ 
هناك من إتهم الجن و الشياطين ، و الحقيقة أننا لا نعرف صدق هذا الإدعاء و لكننا نعرف أن الشياطين لا سلطان لها على الإنسان ، إنما تدعوه فيستجيبوإن صدق وجود الشياطين أو السحر و غيرها ، فهذا يعني أن هناك فراغ ما قد يكون أدى إلى إستجابة أحدهم لهذا الشيطان أو الجن أو إن شئت سمها أفكار و وساوس و هلوسات بسبب إفرازات في العقل وما شابه… أو هو النسخ من حالات إنتحار أخرى ... 
ولكن ما الفراغ الذي أدى حجب العقل حتى وصل إلى إنهاء حياته؟ 

الفراغ الذي صنعه الأهل في نفوس الأبناءأكبر مما يتصور الجميعفكلمةكيف حالك اليوم؟ و الرد عليهاحالي باهيلا تعني أبدا أن الحال حقا بخير … وهو ما يجب أن ينتبه له الأهل...

فالفراغ الروحي و العاطفي و النفسي الذي يتولد بسبب إنشغال الأم و الأب عن التواصل مع أبنائهم منذ الصغر ، و عدم تواصل الأم مع إبنها الرضيع ظنا منها أنه لا يفقه شيئا و خوفا من إتهامها بالجنون لأنها تحدث رضيعا… وإستمرار لهذا التصرف حتى يصل الطفل إلى سنوات المدرسة التي ينطلق فيها إلى عالم مختلف فيه أناس لا يعرفهم يعاملوه كواجب لا كإنسان… 

الفراغ الذي يتولد من قلة التواصل و قلة التغذية بالقيم و الأخلاقيات و خلق الحوار و المصارحة و إعطاء المعلومات الصحيحة للإبناء عندما يكثرون الأسئلة و كسب ثقتهم بالصدق معهم و منحهم الثقة لتولد لديهم في أنفسهم ثقة تزيدهم قوة في شخصيتهم لمواجهة تطوراتهم في مراحل حياتهم … 

إذا ما شعرت أن إبنك قليل الكلام في البيت وأنه لا يهتم كثيرا للحديث معك أو الجلوس على مائدة الطعام ، فإعلم أنه لم يعد ينتمي لهذا البيت وأن إنتماءه بات لصحبته وأصدقاءهو هذا بسببك أنت يا ولي أمرهو إن لم تحرص على إعادة التواصل مع إبنك فإنك ستتركه لمن إختار من أصدقاء يربونه و يغرسون فيه القيم التي يملكونها بدورهم … 

أينما كنت الآنسواء كنت أب أو أم أو إبن أو بنتخال أو عم أو قريبلتدعوا من عندك في البيت لحوار ودي لا يحتوي على أوامر أو طلبات أو نواهيفقط حوار لا ينتج عنه محاسبة على أقوال ولا عقاب على أفعالحوار ودي تفهم منه إتجاه عقل إبنك أو إبنتكلتعرف ما يحدث معه و تهتم لكل ما يقول و تحاول أن تتعامل معه لتحتويه و تمده بالطاقة الإيجابية التي تنقذه من الوقوع في مشاكل لن يسرك أن يكون أحدها فقدانه للسيطرة على عقله و الإتجاه إلى ضرر نفسه … 
وربما الرسالة الآخيرة تكونمن الجميع للجميع أن نذكر بعضنا وخاصة أبناءنا ، أنهم إن إحتاجوا شيئا أن يلجأوا إلينا لا  أن يهربوا مناو إن كان بينك و بين إبنك حوار فأخبره أن ينبته لأصدقائه إن كان هناك من يحتاج إلى مساعدة ولا يجدها عند أحدفقد يكون الحوار بين الأصدقاء مساعدا جدا لحل الكثير من المشاكل بمد يد العون لمن يحتاج عندما يحتاج … و ربما بحاجة لتدريب أنفسنا على محاولة فهم العلامات التي قد تؤدي إلى إيذاء الشخص نفسهومن المهم أيضا أن ندرب المعلمين أو لنقل المعلمات فهن أكثر من يشغل هذه الوظيفةالتي نريدها أن تخرج من نطاق الوظيفة إلى نطاقها التربوي التعليميليكون أداءك لعملك على أكمل وجهعلى أن ينتبهوا لعلامات الإنطواء والشرود و العصيان الغير مبرر أو الخمول التي قد تظهر على أي من طلبتهم …  فكل المشاكل قد تنتهي بحوارات هادئة مطمئنة مذكرة بالله و رحمته … بعيدة عن الصراخ و التوبيخ و الوعيد بالأيام السوداء ... 


تذكر ... أن كلمة كيف حالك بصدق تمنح مساحة للحوار و الحديث ... قد تمنع الكثير من المأسي صغيرها أو كبيرها... 

شكراً


أكمل قراءة الموضوع...