السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
في مجتمع خلطت الأحوال عليه و أختلطت المشاعر بالخيال و الأساطير الإجتماعية التي بنيت على بعض التجارب الشخصية و صدقها البقية … يسمي الكثيرون زواج خطبة الأهل المباشرة “قطوس في شكارة “ أي أن الزواج بالحظ وليس فيه ما هو معلوم و كأنك تستلم قطا في كيس … لم تره و لم تعاينه و لم تعرف إن كان سيعجبك ، يناسبك أو لا … و لإن القطوس في شكارة هو بمثابة المجهول بالنسبة للزوجين … و بطبيعة الحال الكل يرى أن القطوس هي … الفتاة … المغلفة بالمجهول و يأخذها العريس الذي في الواقع أيضا هي مجهولة له … ليتبادل الإثنين كونهم القط الذي في الكيس … ولكن هل حقا هناك زواج ليس فيه “قطوس في شكارة” ؟ بمفهوم المجهول للطرفين؟
الزواج الذي يطلق عليه زواج تقليدي ، ذاك الزواج الذي تزوج به الصحابة و تزوج به الصالحين ، و تزوج به الأجيال من قبلنا لعدة الاف من السنين … يسمى زواج تقليدي لأنه لا يعرف فيه الزوج الزوجة معرفة شخصية عميقة تنقصها فقط العقد لتكون حلالا… و لكن يعرف أهلهم و صيتهم و هناك من يراقبهم و يتابع سيرتهم و هم معروفون جميعا لبعض …
اتساءل أحيانا كيف كان المسافر القادم حديثا إلى قرية يتزوج من أهلها و قد يستقر أو يرحل بأهله … ولا يسمع أحد عن أحد بعد ذلك شيئا … و تستمر الحياة …
أهو ظلم للزوجين ؟ أم هو ظلم للفتاة ؟
لا لم يكن ظلما ، فقد كان الإثنان يمران بتربية كافية لتخرجهم أشخاصا أصحاب مسئولية … تربية تعطي كل منهما شخصيته و كل منهم مكانته و كل منهم مساحته الخاصة “مساحته التي لم تعد تعجب أحدا اليوم لإن التطلعات باتت أبعد و إن لم تكن حقا تناسب “ به التي لم يعترف بها أحد لإنهم أرادوا أكثر منها و أوسع منها … و بحكم الحشمة و الحياء لم يكن ينتشر بين الناس الحديث عن الحنية و الرقة و الرومانسية ، بالرغم من أنها كانت في أعمق تفاصيل حياتهم ، و لعل ما يغلب على مجتمعنا هو … فلان طلق فلانة لإن حجم حذائها كبير ، و فلانة طلبت الطلاق من فلان لإنه يأكل كثيرا … و فلانة تكرهها أم زوجها فطفشتها … و لا نسمع أن فلانا كان يكرم زوجته ، و تلك الزوجة تطيع زوجها … و أن بينهم جلسات شرب الشاي في العشية … و هم يتبادلون الأحاديث و يجمعون حولهم الأطفال …وأن أم زوج فلانة تحبها أكثر من إبنتها وتكرمها أشد الكرم و إبنها بذلك فرح ، ولا تنتشر فكرة أن الأب تزوج بعد وفاة زوجته بمن ستربي الأطفال و كانت حقا أحن عليهم من امهم التي أنجبتهم … لا تنتشر هذه الأخبار … بيننا …
ومانتج عن إعتبار أن هذا الإسلوب ظلما للفتاة … و عجز البعض عن فهم أساس الحياة و دخول المادة و تفريقها للإخوة و إلهاء الجميع عن بعضهم … أن كره إسلوب الزواج هذا و ظهر إسلوب زواج العلاقة و التعارف قبل الزواج و الوقوع في الحب و الإعجاب … و ذلك ليعرف كل منهم من سيتزوج و يكون عنه فكرة واضحة تأتي معلوماتها من المصدر و ليس قيل و قال …
و الواقع يقول أن هذا الأخير هو خداع للنفس أكثر من غيره ، لإنك تعتقد أنك تعرفت و عرفت و رأيت و قيمت … لتكتشف بعد الزواج أنك لم تك تعرف شيئا … فكأنك خدعت نفسك بنفسك … و من الطبيعي أنه لن يخرج عليك أحد ليقول أنا أخطأت التقدير أو غششت نفسي في الأمر و سرت خلف الجميع و لم استفد من تجارب غيري … لتجد أن الجميع يقولون أن الأخر ظهر على حقيقته و انه مخادع و لم أرى في حياتي أسواء منه …
و إذا سألته … هل تزوجتم “قطوس في شكارة”؟
لا كنا على علاقة لفترة ثلاث سنوات “أو يزيد” و كان الجو بيننا رائعا … ( لاحظ أن هذا الكلام ستسمعه من الطرفين ولتكن منصفا و تعترف بعجزك أنت أيضا ولا داعي لتبرير ما فعلت “ …
إذا أنتم أيضا تزوجتم قطوس في شكارة … ولم يعرف أحدكما الآخر حق معرفة التي تحدث حقا بين من تزوجا بمقاييس سليمة صحيحة بنتنا نسميها “تقليدي” “ و الغريب ان التقليدي هذا الذي يكرهون يحبون منه كل مظاهر العرس و الأشياء التقليدية التي لا تنفع ولا تفيد ولا تصلح ولا ولا “
لاحظ … أن هذا النوع من الزواج ( التعارف و العلاقة ) قليلا ما يهتم فيه الأهل لمن يكون هذا الخاطب و هذه الفتاة بإعتبار أنهم يعرفون بعضهم منذ سنين و الحديث عنهم قد إنتشر و بات كل منهم مألوف لدى الآخر و الأم لم تسمع عن الفتاة إلا الخير و عن الشاب إلا الجمال و الحنية … فيقل معدل السؤال و البحث و التأكد إن كانت هناك علاقة و الفتاة ذائبة في حب الشاب و به معجبة ولا ترى إلا هو و هو أفضل رجل في الدنيا كلها و مثله لم تلد النساء …
و ربما إن رفض الأهل تقام الحروب للحصول على الزوجة و تجند الجيوش لإقناع الطرف الرافض … وهو ذاته من يستنجد به في حال أكتشف أن “القطوس “ التي في “الشكارة “ تخبش …
و بالتالي و بما أن كل منهما لم يظهر للإخر كل جوانبه … و ساعدت في ذلك هرومناته وطبيعته و رغبته في إبهار الآخر و إثارة إعجابه و قد يكون طبيعيا أن يحدث هذا من الطرفين في تلك الفترة … إلا أنه يناسب المخلوقات الآخرى التي تتزاوج بناء على الشكل و القوة و الزقزقة و الإبهار بالصوت …
لذلك … فإن الواقع أن حتى زواج العلاقة و المحبة و طول المعرفة يبقى هو “ قطوس في شكارة” أكثر من الزواج الطبيعي الذي تخطب فيه الفتاة من أبيها مباشرة و من ثم تستشار هي و ترى إن كانت ترفض أو تقبل ، و لهذا أيضا وجد شيء إسمه المقابلة الشرعية التي فيها يعطى الحق للفتاة و للشاب لمعرفة من يكون الآخر … “هذا الكلام لن يعجب الكثيرين و ستختلف ردة الفعل ما بين متزوج و مقبل على الزواج و مقتنع بالعلاقات و رافض لها “ …
و هذا يعود بنا أيضا إلى مسألة … كيف هي مقاييسك لتقدير صلاح من ستتزوج من عدمه …
فإن ما لا تظهره المكالمات واللقاءات والزيارات أيا كانت ، و إن خلت من اللمس و المهمس و الخضوع بالقول … لن تظهره إلا المعاملات اليومية الغير محسوبة والغير منقة ولا مغلفة و التي نواجهها يوما بيوم … و كذا إنتقال مسؤولية كل منهما إلي الآخر تغير من تعاملهما مع الأمور بعكس ما قبل الحلال ، فلا أحد له علاقة بإحتياجات الآخر ولا أحد يعيش لإجل توفير سبل العيش للأخر …
فمن يجلس بجانب السائق لن يرى الطريق كما يراها السائق إلا عندما يكون جالسا في مكانه …
و الغريب أنه بيننا من لا يقبل أن تخطب الأم الفتاة مباشرة و يفضل الكثيرون التعارف قبل الزواج و حتى سؤال الفتاة إن كانت موافقة ام لا قبل التقدم للزواج و كأن موافقتها تكفي لتزويجها … ولكن أعينهم تتلألأ عندما يسمعون أنه رأها مارة صدفة فأعجبته فأتى بأمه لتخطبها … يالجمال اللحظة … و ما الفارق في هذا إن رأت الأم الفتاة و أرادتها لإبنها لإنها عرفت أنها تناسبه و تعجبه و سيراها لاحقا و له ان يوافق او يرفض كما لها أن توافق او ترفض ؟
وان كان الإختيار أتي عن طريق نظرة مباشرة أو دلالة دليل إليه… فإن من حقهما القبول والرفض بما يرونه مناسبا لكليهما وذلك ربما يكون … أهون من التعلق بشخص وإسكانه القلب والخاطر ولا تلتقيه إلا في الأماني والخيالات حتي وإن إنتقل الجسد للعيش مع من أتي “كقطوس في شكارة” كحل لطول الإنتظار لمن سكن القلب … فمن يضمن خروج وتوقف الأماني من الحضور وحتي الدخول في مقارنات للواقع مع ما لم يكن إلا حديثاً يمكن لأي كان أن يضع نفسه فيه قيسا ودنجوان أو هي ليلى و شهريار …
الشعور بهذه المشاكل ينشأ عادة بعد الإرتباط ومدى غرابة الأمر لما قبله وبعد … فأنت تغش نفسك بما تتوقع لتصطدم بواقع نفسك فيه أوقعت …
فتجد ان أبواب الأحلام غلقت وأنت أمام واقع به من الحواجز ما لم تكن تراه وأنت حالم متمني …
وما لم نشعر ونتحسس هذه المسائل فان إنتاجنا لأسر عقيمة الإحساس بعيدة التواصل بين الأزواج سيتضاعف وسيتكاثر الفراق “كقطوس في شكارة” تلقى في نهر من التيه و كثرة المغريات و الشهوات و العروض المجانية لعيش حياة حلوة أبدة …
و كم ستكون نظرتنا للزواج سيئة بعد تلك التجارب … و كم سيعيش الكثير من الأزواج حياة كأنهم أخوة يعيشن في بيت واحد يربون أطفالا وجودهم كهدايا عند شراء أكثر من علبة شكلاتة … و يستمر البحث عن الخيال …
فراجع أي أنواع الزواج هي حقا … القطوس في شكارة على أصولها … و تعلم من تجارب غيرك … و تأكد … أن ما أتاك به نبيك لا ولن … يكون فيه ظلم لك … ما إن طبقته كما يجب …
شكراً…