استشاره حاكم... ورد عليها

By 1/16/2014 11:16:00 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته




هل تعرف معنى الحكم بما انزل الله ؟ ... لنقل هل تعرف معنى ما انزل الله؟ وما انزل الله؟
هل تعرف حقا معنى أن تُقلد امر الناس؟ أن تكون مسئولا عنهم؟


سيرة سيدنا عمر بن عبد العزيز كلنا نعرفها "وان كنت لا تعرفها فربما البحث في الانترنت سيظهر لك مئات النتائج" و نعرف ما قام به خلال بعض سنوات لا تتجاوز الثلاث سنوات ... من ازدهار  وإقامة للعدل في وسط كان مليء بالمؤامرات و مليء بأناس يبحثون فقط عن ديناهم و عن الدراهم ... اختصارا ...

هذه رسالة من سيدنا عمر بن عبد العزيز إلى سالم بن عبد الله احد الفقهاء العشرة في المدينة يطلب منه أن يرسل إليه كتب سيدنا عمر و أحكامه فيما كان يحكم به في أهل المدينة ليستعين بها و يسير على خطى سيدنا عمر و هذا نص الرسالة و نص  الرد عليها وهو المقصود من النشر وفيه رسالة لنا جميعا لفهم الكثير مما يجب علينا فهمه ، حكاما و محكومين ...
نص الرسالة :... " رجاء ركز جيدا في النص و فيما كان الرد جيدا جدا"

"عن سالم بن ِعبدِ الله بن عمر ( من فقهاء المدينة العشرة ) أن عمرَ بن عبد العزيز كتب إليه : من عبد الله عمرَ أمير ِالمؤمنين ، إلى سالمِ بن ِعبد الله ، سلامٌ عليك ، فإني أحمدُ إليك اللهَ الذي لا إله إلا هو ، أما بعد ، فإن اللهَ ابتلاني بما ابتلاني به من أمر ِهذه الأمة ، دون مشاورةٍ مني فيها ، ولا مطلبَ مني لها إلا قضاءَ الرحمن ِوقدرَه ، فأسألُ الذي بالخلافة ابتلاني ، أن يعينني على ما ولاني ، وأن يرزقني الطاعة َوحسنَ المؤازرة ، وأن يرزقهَم مني الرأفة َوالمَعدَلة ، فإذا أتاك كتابي هذا فابعث إليّ بكُتُبِ عمرَ بن ِالخطاب وسيرتِه ، وقضاياه في أهل ِالقبلةِ وأهلا لعهد ، فإني متّبِعٌ أثرَ عمر وسيرتَه إن أعانني الله على ذلك والسلام .

تأملات في مراسلته :
1 – أدرك عمرُ أن مَنصِبَ الخلافةِ ابتلاءٌ من الله ، و هو يدعوه أن ينجحَ فيه ، فهو لم يفرحْ به كما يفعلُ الكثيرون من طلابِ الكراسي و المناصِب .
2 - فهمُه العميقُ للإسلامِ بأنه دينُ الرحمةِ تجاهَ الآخرين . فعلى المسؤولِ أن يعاملَ الناس بأحسنَ ما عنده .
3 – تحديدُ البرنامج الذي سيتبعه في إدارة الدولة . ( مبدأ الوضوح و الشفافية )
 4 – استعانتُه بعلمِ العلماءِ على إدارةِ شؤون الدولة .
5 -  تعهدَ ببرنامج الخلافةِ الراشدة بشرطِ المعونةِ تأدبا : و لا تقولن لشيء إني فاعل ... ( و نحن إذا قلنا سنفعل إن شاء الله فيعني أننا غالبا لن نفعل . قصة المدرب و الأجنبي تعرفها؟)."

و هنا اتى الرد بهذه الرسالة ...


"كتب إليه سالمُ بنُ عبدِ الله بسم الله الرحمن الرحيم من سالم بن ِعبد الله بن عمر إلى عبد الله عمرَ أمير ِالمؤمنين ، سلامٌ عليك ، فإني أحمَدُ إليك اللهَ الذي لا إله إلا هو ، أما بعد فإن اللهَ خلق الدنيا لِما أراد ، وجعل لها مدةً قصيرة ، كأن بين أوّلِها وآخرها ساعة ًمن نهار ، ثم قضى عليها وعلى أهلِها بالفناء ، فقال كلُ شيء هالكٌ إلا وجهَه له الحكمُ وإليه ترجعون . لا يقدِرُ منها أهلُها على شيء حتى تفارقهُم ويفارقونها ، أنزل بذلك كتابَه و بعث بذلك رسولَه ص ، وقدم فيه بالوعيد ، وضرب فيه الأمثال ، وفصل به القول ، وشرَع فيه دينَه ، وأحلّ الحلال وحرمَ الحرام ، وقصَ فأحسن القصص ، وجعل دينَه في الأولين والآخرين دينا واحدا ، فلم يفرق بين كتبهِ ، ولم تختلف رسلُه بشيء من أمره ، سَعِدَ به من سعد ، و شَقِيَ به من شقي ، وإنك اليومَ يا أميرَ المؤمنين لم تعدْ أن تكونَ إنسانا من بني آدم ، يكفيك من الطعام والشرابِ والكسوةِ ما يكفي رجلا منهم ، فاجعلْ فضلَ ذلك فيما بينك وبين الربِّ الذي تُوَجّهُ إليه شكرُ النعم ، فإنك قد وُليتَ أمرا عظيما،  ليس يليه عليك أحدٌ دون الله ، فإن استطعتَ أن تغنَم نفسَك وأهلك ، وأن لا تخسَرَ نفسَك وأهلك فافعل ، ولا قوة إلا بالله ، فإنه قد كان قبَلك رجالٌ عملوا بما عملوا ، وأماتوا ما أماتوا من الحق ، وأحيَوْا ما أحيَوْا من الباطل ، حتى وُلد فيه رجالٌ ونشئوا فيه ، وظنوا أنها السنة ، ولم يَسُدوا على العباد بابَ رخاء إلا فتُح عليهم بابُ بلاء ، فإن استطعت أن تفتحَ عليهم أبوابَ الرخاء فافعل ، فإنك لا تفتح عليهم منها بابا إلا سُد به عنك بابَ بلاء ، ولا يمنعك من نزع عاملٍ أن تقول لا أجد من يكفيني عملُه ، فإنك إذا كنت تنزِعُ لله وتعمَل لله ، أتاح اللهُ لك رجالا وكالا بأعوان ِالله ، وإنما العونُ من الله على قدر النية ، فإذا تمت نية ُالعبدِ تم عونُ اللهِ له ، ومن قصُرَت نيتُه قصُرَ من اللهِ العونُ له بقدر ذلك ، فإن استطعتَ أن تأتيَ اللهَ يومَ القيامةِ ولا يتبعَكَ أحدٌ بظلم ٍفافعل ، ولا قوة إلا بالله ، ما أعظمَ يا عمرُ وأفظعَ الذي سيقَ إليك من أمر ِهذه الأمة . ثم إنك كتبتَ إليّ تسألُ أن أبعثَ إليك بكُتُبِ عمرَ بن ِالخطاب وسيرتِه وقضائِه في المسلمين وأهل ِالعهد ، وأن عمرَ عمل في زمان ٍغير ِزمانِك ، و رجال ٍغير ِرجالِك ، وأني أرجو إن عَمِلتَ بمثل ِما عمِل عمرُ أن تكونَ عند اللهِ أفضلَ منزلة ًمِن عمر ، وقل كما قال العبدُ الصالح : وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ان أريد إلا الإصلاحَ ما استطعت وما توفيقيَ إلا باللهِ عليه توكلتُ وإليه أنيب والسلام عليك .


تأملات في المراسلة :
1 – تذكيرُ الحاكمِ أن الدنيا فانية ، و أن المَنصِبَ يزول ، حتى لا يغترَّ و لا يطغى .
2 – تنبيهُ الحاكمِ أنه لم يَعُد فردا كسائر الناس بل هو مسئول عنهم ، و عليه تقدير هذه المسؤولية قدرها .
3 – تنزيل الدينُ على الواقع ِ و ليس القولبة ( لا فقهَ في الدين دون فهم الواقع و متغيراته ،و لا ننسى أنه القائل أنا متبع لا مبتدع ) . المفهوم الخاطئ لصلاحية الإسلام لكل زمان و مكان ، ليس بالقولبة و إنما بما فيه من مرونة و شمول و قابليته للتطور . و هذا في الأمور المتغيرة . فقد يبقى الأصل و يتطور التطبيق مثل تحقيق العدالة . و تقنين الشريعة .
4 – على الحاكم أن يراعي في برامِجِه أن يفتحَ أبوابَ الخير : جودةَ الحياةِ و الخِدْمات ، و تسهيلَ أمور ِالرعية و تشجيعِهم على النهضة . فمن فعل العكس فقد جلب الشقاء للناس.
5 – إخلاصُ ذوي المناصبِ النيةَ لله في أعمالهم حتى يعينَهم على النجاح في مهامهم .
6 – الحذرُ كلُ الحذر ِمن ظلمِ فردٍ واحدٍ من الشعب .
7 – التطبيقُ الصحيحُ للإسلام يكون بحسب الظروف و القدرة ، ( فاتقوا الله ما استطعتم )  و ليس كما طبقه غيرُك في ظروفٍ مختلفة . و قليل من يفهم هذا المبدأ العظيم ، فتراه لا يزال  مصرا على تطبيق لا يصاحبه فهم الواقع فتحدث الفتن ، و يشوه الإسلام ، و يعادي الناس .
8 – هذه المراسلاتُ تثبتُ خطأ المفهومِ المنتشر ِ و المغلوطِ حولَ الحكمِ بما أنزل الله ، الذي يَختزلُ الحكمَ في الحدودِ التي هي لا تتجاوز 2% من أحكام الشريعة . بينما ما أنزله الله يشمل كل أحكام الشريعة ، و أدناها إماطة الأذى . الصلوات الخمس تستغرق ساعة ، فأين الثلاثة و العشرين ، الصوم شهر في السنة فماذا عن بقية الأشهر ، الزكاة 2.5% ، الحج مرة . إتقان العمل ، إسناد الأمور إلى أهلها ، حرمة دم المسلم و ماله و عرضه ، هناك الشدة لوقتها فأين الرحمة و التراحم و اللين الذي ما نزع من شيء إلا شانه وماذا عن .... أنزل الله الرحمة و انزل الله الحق و انزل الله التواصي بالحق ، انزل الله المحبة و انزل الله الدعوة ، انزل الله كل خير و كل شيء ... فهل نحكم بما انزل الله ... "


هذا الكلام مقتبس من بحث عن سيدنا عمر بن عبد العزيز و سيرته ، من صديق جزاه الله خيرا في كل جهد سخره الله فيه ...

شكراً