مخدوعين ... ومن يخدعنا؟

By 9/11/2017 10:43:00 م
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته



مخدوعين أنفسنا نخدع...
كما ننخدع في من يلبس نظارة وساعة و بدلة أنيقة... ولديه بطاقة شركة بعلامة مصممة فاخرة ودقيقة...
ننخدع في ذات الزينة و اللباس الملفت و الحركات الرقيقة...
فتخدعنا المظاهر و نظن أن أصحابها يملكون باطنا مطابقا لما هو ظاهر ، فقط لأن ظاهرهم يتطابق مع صورة ألصقناها في أذهاننا أنها الأجمل...

نظن أن دول العالم التي بها طرق وجسور ومطارات ، هي بلاد أمنة أهلها قمة في الأخلاق والنظام والترتيب والخدمات... ولا ندري أن لا نظام أتى بلا عصا رقيقة لا تضرب ولكنها مافي الجيب تسلب...
ولا أدري إن كنت سمعت عن أن أكبر أجهزة شرطة موجودة في تلك البلاد بميزانيات تعادل ميزانيات دول أم لا ...
نخلط بين الإنضباط المحكوم بالمخالفات ، و بين الأخلاق النابعة من ضمير حقيقي حي... وبين سعي لتحقيق شيء هدفه بعيد عن الإنسان ولكن قائم على ما في جيبه.
مخدوعين كما كل شيء نخدع أنفسنا ، ومنا من يظن أن لا جرائم تقع هناك ولاإغتصابات ولا حتى تحرش بالنساء ولا معاكسات فنحن لا نرى منهم إلا أفلام الرومانسية والجثو على الركب و طلب الزواج ولا نرى بالتأكيد ان ذلك يحدث حتى بين ذكرين...
لأننا مخدوعين و يعجبنا بريق المباني و كثرة الأسامي والعلامات التجارية والشركات الساعية للربح ببرنامج جشع أناني...
ليس بيننا من لا يعرف كواليس التحضير للأفراح ... و نعرف أن الصورة التي تظهر للجمهور ليست إلا صورة هشة قد تسقط في أي لحظة هي وما خلفها من جهد مبذول ، ولكننا بخداع أنفسنا ... نصدقها...
كما نصدق أن البشر عن بعضهم يختلفون ، فلا نيميمة ولا غيبة عند الدول المتطورة... ولا حتى شهوات أو سرقات ولا نصب ولا إحتيال ... و سياسييهم نزهاء جميعا ليسوا كمن عندنا وإن كان هناك فروقات في من يحاسب فقط ... ونحن عاطفتنا تمنع الحساب...

نصدق أن الفساد فينا نحن فقط ، وأن بلادهم مليئة بالمثقفين ، نعم فهم يقرأون الكتب في وسائل المواصلات العامة... أو هذا ما تقع عليه عدسات المعجبين ... ولا يهم ما الذي يقرأه المهم أنه يمسك بين يديه كتابا ...

إهدأ اصمت لتسمعنك إحدى المهووسات بالكتب فتظن أنك تغازلها ، وأنك تهديها كتبا فتعيش بها ولا تحتاج الطعام ولا الشراب ولا لها بحاجة لأن تسمع كلمة ... ماما.. ولن تعرف أين ستفر تلك الثقافة إذا ما تقرر عقد القران و إقامة حفل الزفاف ، لترى تأثير كل تلك الثقافة على إقامة حفلها المشابهة لكل أولائك المتخلفين عديمي الثقافة الذين لا يقرأون فلا تختلف عنهم إلا بعدد الكتب التي قرأت لا أكثر ولكن حفلها مثلهم فهم ليسوا خيرا منها... وهي فيكفيها أنها تقرأ الكتب ... أو هذا ما يخيل لمن إنكب على قراءتها وإن لم يكن بين ضفاتها شيء يذكر ... لا عليك فنحن نحكم بالظاهر ، ولا ننظر للصورة الحقيقية ولكن ... نزيد في خداع أنفسنا بالحكم على ما نرى بما في عقولنا من صور قديمة...
ففتاة تقرأ إذا هي مثقفة ، وشاب انيق إذا هو غني وراقي و خلوق أيضا ، وشخص كثير الكلام ويحفظ كلمات بأحرف مشتتة و يذكر أسماء كتاب مشاهير إذا هو مثقف ... وآخر يحسن اللعب بالأرقام و يقول معسول الكلام و يرسم الأوهام و يبيع الخيال، إذا هو أقدر الناس على حكم البلاد و تخليصها من شر العباد ، ولكن كيف تحكم البلاد دون أن يكون فيها عباد إذا كنت ستخلصها من شرهم؟

لابد أن تحكمها بمن فيها ومن فيها لا يريد إلا من يخدعه ... ليقنعه أن رمال الصحراء ثورة طائلة يسعى للحصول عليها الموساد و الغرب المتطور الذي لا يشتهي النساء ويحترمهن ولا يستغلهن و يستعملهن سلعة حتى أنه يعطي الرجل راتبا أعلى من المرأة في مؤسساته العريقة وفي أكبر مؤسساته يعايرها بكونها إمرأة، ولكن لماذا؟
لأنه شرقي؟ عربي؟ أم لأنه يرى أنها أقل منه كفاءة و لا تستطيع عمل ما يعمله هو ولها مكانها الذي يجب ان تشغله؟ ...

أصمت هذا تفكيرك أنت يا شرقي يا عربي يا متخلف يا رجعي، أنت لا تفكر أبعد من أرنبة أنفك ولست كذاك الأشقر الذي صنع السيارة ليغريها لتركب معه ...



و على ذكر النساء و ذو الشعر الأصفر و العين الزرقاء ذاك النبيل الراقي الحساس المهتم بكل التفاصيل ، هناك كوكب يعيش في أقصى الشرق إسمه اليابان ، حيث يعتقد معظمنا أنه كوكب النظام ولا غيبة ولا نميمة ولا فحش فيه ولا خداع ولا غش وكأنهم أهل الجنة لا غل ولا أحقاد وعالم وردي مليئ بالمحبة ، ربما لأننا لم نرى إلا كيف ينظمون طوابيرهم و أعمالهم ، ولكننا لم نرى كيف هي برامج تلفازهم و ما الذي يسليهم و كيف هي الأخلاق على ذاك المستوى المختلف تماما عن الإنظباط بالقانون ، بل أن ذاك كله بإسم القانون و العرف الياباني في كوكبهم الذي لم نرى منه إلا العشب الأخضر الذي لا نملكه... على كل ليس هذا هو الموضوع فنحن نتحدث عن إنخداعنا نحن حتى في أنفسنا...

ولا أحد يخدعنا ... بل نخدع أنفسنا ، ولأننا نملك كرامة تأبى الإنخداع ، أقصد تأبى الإعتراف بالخديعة وإن كانت على مستوى أوطان ، نلصق التهم في كل شيء إلا نحن ... فليس من شيم الرجال ان نعترف بالخديعة...

لنقلب أبصارنا في كل ما حولنا و لنتوقف عن الحلم و عن الضحك على عقولنا ، لعلنا نعي أن البشر جميعا أينما كانوا هم البشر ... و الفرق بينهم فقط من يحسن الأخذ بالأسباب ومن يتوكل دون أخذ بالأسباب...

كذاك الرجل الذي يرفع يديه داعيا لله أن يشفي ناقته ... فمر عليه عمر وقال له هامسا ... هلا جعلت مع الدعاء بعضا من القطران؟


شكراً