القضبان الحديدية ...

By 8/25/2015 07:09:00 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 



لعلك تكون ممن خطرت بباله الفكرة عندما سافر لزيارة أحد الدول الأوروبية أو أمريكا أو الدول الأسيوية ... و لفت إنتباهك أن معظم النوافذ و الأبواب لا توجد عليها حماية حديدية كالتي نستعملها في بلدنا ... 

سألت نفسي هذا السؤال ... 

لماذا نحتاج نحن في مجتمعاتنا أن نركب هذه القضبان الحديدية في نوافذنا و أبواب حديد و أقفال كثيرة فيها ؟ ولا نراها في تلك الدول ؟ 

أم أننا نحكم دون دراية على صورة عابرة لم نرى و لم نعش في مجتمعاتها؟

أردت ان أبحث و أرى ما مصدرها و متى بدأت و لماذا ماتزال مستعملة ...

فماذا وجدت؟ 

وجدت أن إستعمال القضبان الحديدية في المنازل و البنايات بدأ في إسبانيا في القرن الخامس عشر ، و تحورت وأصبحت جزء من زينة المبنى و الفن المعماري ، و حتى اليوم تعتبر ثقافة القضبان الحديدية في إسبانيا سارية مع تحويرات مختلفة يمكن معها فتحها و إغلاقها ، يقال أنه إن كنت تعيش في منزل من منازل إسبانيا لا تستطيع الإستغناء عن هذه القضبان ، كديكور أو كحماية خاصة لمن لا يستطيع دفع قيمة أنواع أخرى من الحماية  . 

و الواضح أن اسلوب إستعمال القضبان الحديدية بطرق مختلفة تطور مع الزمن في نهايات القرن السابع عشر إلى الثامن عشر في دول أوروبية كثيرة و أصبح الإهتمام بالمنظر مع محاولة عدم  الإستغناء عن الحماية أكثر شعبية و إستعمالا ... 

و المباني التاريخية المعروفة و المشهورة في العالم التي بها قضبان حديدية كثيرة جداً من ضمنها قصر الدولما باهشة في تركيا وهو  قصر السلطان حينها ، والآن هو متحف يمكن زيارته ولعل كثير قاموا بزيارته ، و كل بواباته حديدية و نوافذه في الطوابق السفلية ، خاصة التي على مستوى الأرضية.

و بمناسبة الحديث عن تركيا و إرثها المنتشر في بلاد كثيرة ...  فإن الكثير من المساجد و المباني القديمة جداً ، يمكنك أن ترى القضبان الحديدية فيها و أسلوبها القديم في طرازه حسب تلك الحقبة ، و هذا يرجع بنا إلى المدينة القديمة التي يمكنك أن ترى فيها أنواع كثيرة من القضبان الحديدية القديمة جدا حتى في مساجدها و إن زرت كنسية السيدة مريم أيضا في تلك المنقطة ستلاحظها هناك أيضا ، والمباني القديمة ليست بعشرات السنين ولكنها قد ترجع الى مئات السنين ، و حتى الآن هناك مباني قديمة جدا تجد فيها القضبان الحديدية ذات الطراز المشابه لما قد تراه في مساجد تركيا و مساجد البوسنة و المنطقة التي انتشر فيها الإسلام على يد الأتراك ، ومنها بعض نوافذ السرايا الحمراء حتى المرتفع منها . 

هذه نافذة في المدينة القديمة في أحد المباني بالقرب من قوس ماركوس و طراز الحديد فيها قد يعود الى فترة وجود الإطاليين أو حتى الأتراك ربما مع ان النافذة في الطابق الثاني 


القضبان الحديدية و وجودها له علاقة بالحماية من الإقتحام و السرقات ... ولكن لم تزال في دول أوروبية كثيرة و أمريكا بسبب توفر الأمن ... بل كانت هناك أحداث خسر الكثيرون فيها أرواحهم بسبب هذه الحماية في النوافذ و الأبواب ... و هي حوادث حرائق أودت بحياة رجال الإطفاء و بعض العجزة و الأطفال في عدة حالات تكررت بسبب عدم قدرتهم على الخروج من بعض المباني بسبب هذه الحماية ... فكان من الطبيعي أخذ إجراء حيال تلك القضبان و فرض إزالتها و عدم إستعمالها في البيوت و البنايات الجديدة مع إزالتها من الكثير من البنايات القديمة و إستبدالها بأساليب حماية حديثة ... كأجهزة الإنذار المتصلة مباشرة بالشرطة أو التي تتصل على عدد من الهواتف حال حدوث أي دخول غير مرغوب فيه للمنزل أو المكتب أو المؤسسة ... أي أن مبدأ الحماية لا يزال موجودا و مطلوبا في كل بلاد العالم ... و لا يكاد يخلو بيت في تلك الدول إلا و فيه جهاز إنذار , ومن أراد تركيب قضبان حديدية فإن هناك شروط يجب إتباعها ، منها أن يوجد ما يمكنك من فتح القضبان للسماح بالخروج من المكان أو الوصول إلى طفلك الذي قد يكون حبس في الغرفة التي أغلق بابها ، بحيث يمكنك فتحه ولكن يصعب على المقتحم ذلك . 

و إن قمت بالبحث في الإنترنت ستجد إعلانات كثيرة لشركات حدادة تقدم خدمات صناعة هذه القضبان في كل الدول تقريبا لمن أراد ، و المنازل الموجودة في المدن و وسطها قد تلاحظ أحيانا أن هناك مباني قديمة لا تزال تستعمل هذه الحماية خاصة في النوافذ السفلية و المطلة على ما تحت الارض من طوابق . 

يحكي "Nilo Montalvo" الذي عاش في منطقة برونكس في نيويورك لأكثر من خمسة عشر عاما عن أنه عاش في بيته كأنه سجين ، لوجود هذه القضبان على النوافض في شقته ، و في أغلب الشقق في المنطقة لكثرة السراق و المشردين و المدمنين ، ولكن قال أن هذا الشيء بات يقل و أن بيوت كثيرة بدأت في الإستغناء عن القضبان الحديدية تدريجيا ، فنحن نسمع عن مدمنين و سرقات بالسكاكين و لكن منذ زمن لم نسمع عن من إقتحم منزلا ليسرقه ، ولعل هذا الحال أيضا عندنا ... فلم نسمع عن سرقات اقتحام منازل منذ زمن في الاحوال الطبيعية ، وهي نادرة من الأساس ... و يقول أنه حور قضبان شقته ولم يزلها ليحصل على زاوية رؤية لا تشوشها القضبان ولكن تسمح المساحة فقط لدخول شخص نحيف جدا .

هناك تاريخ قديم جداً لإستعمال النوافذ و البوابات الحديدية في ثقافات كثيرة جداً مستمرة حتى اليوم و اكثرها في محيط البحر المتوسط ، و منها ما أصبح عادة و طبع و أساس من أساسات البناء ، لأننا لا نستطيع إنكار تأثر المباني بثقافة المجمتع و أسلوب حياته ، و مهما حاولنا استيراد خرائط  و أفكار من ثقافات أخرى ... غالبا ما ينتهي المطاف بالمنزل للتحوير ليلائم طبيعة أسلوب معيشتنا ، و كذلك الواجهات و المساحات المستعملة ... و من تلك الأشياء التي توارثت و استمرت و غذتها المخاوف و الرغبة في الحصول على طمأنينة النوم ليلا بالإضافة الى ديكورات للمنزل ... هي القضبان الحديدية ، و التي نعرف جيدا أن السارق يستطيع ايجاد حل لها إن أراد ولابد إقتحام المنزل ، و مهما حرصنا فإن غلبة السارق لمن يحرس لابد أن تكون واضحة و هذا ما يشهده العالم مع كل الإجراءات و التحوطات للسرقات ...

وربما إن ألقيت نظرة على بعض المباني الكبيرة في طرابلس و المؤسسات ستجد انها لا تحتوي على قضبان في نوافذها و الزجاج فقط هو ما يقابلك ... 

ما بدأ كسؤال إستفساري ... كنت أربطه كثيرا بالمجتمع المسلم و غير المسلم ... إنتهى ببحث صغير عن أصل هذه الفكرة و إتضح أنها موروث ثقافي منتشر حو العالم لشيء يحبث عنه الإنسان منذ أن بدأ في البحث عن مكان يأويه و يحميه من أي خطر خارجي ، غير أن بعض الأساليب تطورت و بعضها يلازم ما يعرفه منذ القدم .


شكراً...