السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
في يوم معتدل الدرجات … و الشمس ألطف ما تكون في قلب السماء … نسمات بحرية عليلة تهب تزيد اللطافة في الأجواء … تدغدغ الصبيان و هم في الساحة يلعبون و خلف الكرة يركضون … فتيات يلعبن هنا ، شباب يجلسون هناك … و عمار إلى بيته يأخذ طريقه و في يده حقيبته الجلدية السوداء … ابتسامة عريضة ترتسم تزيد و جهه اللطيف بهاء …
خالد شاب لطيف انيق في ملبسه ، اهتمامه بنفسه واضح … شخصيته مرحة … في طريقه ليسأل عن حال صديقه ، و يرى ما يشغله و ما الذي يفعله ، و إن كان لديه الوقت ليذهب معه لقضاء حاجة له وسط المدينة … يرى لطافة الأجواء و لعب الأطفال ، يلقي السلام على من كان جالسا هناك من الشباب … و البسمة مستقرة في محياه …
الطقس رائع … عليل الهواء يشرح الصدر …
عبدو في غرفة الضيوف المظلمة … جالس في أبعد زواياها يحدث نفسه ، و قد أكمل علبة سجائر و بدأ في اختها … ما هذه الحياة؟ لا شيء يسلي ولا شيء يعين على الفرح ، ما هذه البلد المملة … حتى الإنترنت لم يعد له طعم ، هذا إن كان الإنترنت يصلح أن نسميه إنترنت من الأساس … لم يعد له طعم ولا رائحة … لا بد أن أخرج من هذا البلد الكئيب … لا أحد يهتم لأمرنا نحن الشباب ، لماذا لم أولد في بلد يهتمون فيه بالشباب و يعطونهم الفرصة و يوفرون لهم ما يحتاجون حتى يبدعوا كما نراهم يبدعون ، إني ينفطر قلبي حزنا على نفسي كلما شاهدت لقطات مصورة في الإنترنت لإبداع الشباب عندهم و نحن …
صوت صفير باب الحديقة المتهالك بالصدأ …قطعت تلك الأفكار … نهض مسرعاً على أمل أن يكون أحد الأصدقاء قد حضر ليزول بعض من هذا الملل …
فتح الباب الخشبي لتلتقي عينه بعين صديقه خالد الذي كان على وشك قرع جرس الباب … تبادلا الضحكات و صافح كل منهما الآخر و ضمه لصدره … ليقول عمر في إبتهاج كأنه ربح جائزة بعد جهد و عناء … أهلا خالد أخي كيف أنت و كيف حالك جئت في وقتك … أشعر بملل كبير أكاد اختنق يا صديقي … أكاد أنفجر …
فضحك خالد وهو يخلع حذائه عند الباب …
- و منذ متى لم تكن على وشك الإنفجار و كأنك رضغت الملل و الركود منذ صغرك في حليب أمك ، مازلت لا تعمل ولا تشغل نفسك بشيء؟ حتى أنك لا تملك شيئا تسلي به نفسك؟ …
- لا رجاء … لم أعد أجد في الفتيات أي تسلية … فاض بي الأمر و لم أعد أطيق وصلهن …
و من أتى بسيرة الفتياتيا يا أحمق ؟
وما الذي تريد من أن أفعله إذاً ؟
أريدك أن تهتم بنفسك يا رجل ، تمارس هوايات ، رياضة ، تقرأ تثقف نفسك ، أي شيء تستغل به وقتك بدلا من بقاءك في البيت و إفساد وقتك و نفسك ، و حتى إن بقيت في البيت لا أراك تشغل نفسك في شيء يفيدك … و يطور شخصيتك …
من يسمعك يا خالد سيقول أن النوادي في كل مكان ، و الإهتمام بالشباب في أوج قمته ، و ليس هناك نقص إلا في أن أذهب و اشارك ، دعك مما تقول يا رجل و كن واقعيا …
- نعم النوادي متوفرة ، و الصالات الرياضية أيضا متوفرة ، لا تكاد منطقة تخلو من نادٍ أو صالة رياضية أو مساحة لممارسة الرياضة و على الأقل كرة القدم . أم أنك لا تعيش في هذا البلد؟ المكتبات متوفرة في كل مكان و الكتب تكاد تختفي مما يتراكم عليها من غبار لقلة من يقرأ و يتابع و يحاول إثراء نفسه …
اليس لديك إتصال بالإنترنت؟ إنه مليء بالأفكار و الهوايات و أشيا تستطيع ممارستها و أنت في بيتك ، ولا تحتاج نوادي ولا تحتاج دولة لتهتم بك ولا تحتاج أحداً لينظر إليك ، و ليس بالضرورة أن تكون في أوروبا حتى تجد من يدعمك !…
بالله عليك قلي … من يعرفك أنت من الأساس حتى يدعمك ؟
لو كنت حقا لديك رغبة و نية صادقة ، لبدأت من نفسك و مارست نشاطك و هوايتك و استمريت دون إنقطاع و أبدعت فيه ، لعرفك الجميع و انتبهوا لما تفعله و ربما حينها يكون من السهل تبنيك ، بعد أن تثبت نفسك ، و هذا هو الحال في العالم كله ، الإنترنت مليء بالشباب الذي كون نفسه في هواياته من الصفر و بعد أن نجح و صار له جمهوره وجد حقاً من يدعمه و يستثمر فيه و يستعمل شهرته ، لأنه كون أساسات لنفسه و لم ينتظر أن ينتشله أحدهم من ظلمات غرفة الجلوس و رائحة الكسل تبعد كل من اقترب …
و لكن أنت أحببت النوم و عشقته و ربما تكون قد تزوجته و لم تعد راغبا في مفارقته و تريد كل شيء أن يأتيك حد قدميك … ولا تريد أن تخرج تلك الرواية التي في عقلك بأن البلد ليس فيها شيء و أنت كغيرك كثير تحبون التحجج بذلك لتغطية فشلكم … إنهض كون لنفسك شيء ، و طور من نفسك ، أنظر حولك هناك شباب يعيشون في نفس بيئتك و بلدك و معطياتهم أسواء بكثير من معطياتك و لكن … منهم من هو محترف تصوير فوتوغرافي الآن وكانت بدايته بسيطة جدا متواضعة و لكن بالاصرار أصبح يتقدم و يحترف مجاله ، و منهم من هو محترف رسم و منهم من محترف كتابة و شعر و منهم من أصبح فنانا يصنع التحف الراقية الرائعة و من الشباب من انتقل إلى العمل في التلفاز و من أين يا ترى أتت تلك المواهب؟ أعطتها لهم الدولة؟ … سمي لي دولة تعطي المواهب و توزع الهوايات !؟
أم تعتقد أن هناك من دعمهم ؟ و كل شيء اليوم أصبح سهلا جداً ، بإمكانك أن تكّون محطة خاصة بك و مدونة خاصة بك و صفحة خاصة بك و تنتشر عبر الإنترنت ليكتشفك العالم … و ليس بجلوسك هنا و تكويم هواتف البنات و التسلية عليهن كما يتسلين عليك و عمرك يضيع منك في كلمة كساد …
أنت بضاعة كاسدة أنت من سبب في كساد نفسك … إنهض و كفاك كسلا و ركودا و تحججا بما في محيطك من احباط ، و لم أرى منك حتى محاولات للتغلب على هذا الاحباط …
انهض … كفاك كسلا و مضيعة لعمرك … الذي لن يرده لك أحد … لا الدولة ولا والديك … و لا أنت بنفسك …
إنهض … و إستعمل وقتك في خير تلقاه لنفسك و لغيرك …
إنهض ...
شكراً