حكاية جدي...

By 1/27/2012 06:26:00 م
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته 









أبي ... أبي ... أين انت ؟

دخل الولد صائحا ينادي اباه في مشغله الذي لم يبرحه منذ مدة...

نعم يا ولدي ماذا هناك لما العجلة ؟ هل هناك خطب ما؟

أبي لقد انهارت الحكومة و تغيرت و جاءت حكومة اخرى و الناس فرحين في الشوارع لتخلصهم من الحكومة الأولى و استقبالهم الحكومة التالية هيا يا أبي لنشارك الناس فرحتهم ...

انتظر يا بني ... ولكن الناس فعلو ذات الامر عندما اتت الحكومة التي انصرفت الان...
نعم يا ابي ولكن الامر مختلف الان الفرحة اكبر بكثير ويقولون أن هذا زماننا و نحن فقط من سيستطيع التحكم في امرنا فيه وليس كزمانكم نحن أحرار الان...

يا بني .. عندما كنت في سنك الصغيرة هذه أتت الحكومة المهزومة الان و فعلتُ بالضبط ما فعلت أنت ... و جدك هلل و طبل و صاح حتى اختنقت العروق بالدماء ... و ما لبث الناس حتى تجرعوا ما قد فرحوه ألماً و غصة الى يومنا هذا ...

تعال يا بني أخبرك ما أخبرنيه جدك بعد أن عرفوا حقيقة الحكومة التي فرحنا لمجيئها و ذهاب التي قبلها ...

ولكن يا ابي الاحتفالات؟

اجلس يا بني ... و اخبرني ...

هل من يفرحون الان بينهم من يقف على المنصة و يصيح و البقية حوله يصيحون؟
نعم يا أبي و الجو حماسي جدا و الصدور منشرحة ...

وهل هناك من يحرس المنصة و لا يدع الجميع يقتربون منها ؟
نعم هناك حرس يحيطون بالمنصة من كل الجهات ولا يدخل أو يقترب إليها إلا من كان يحمل ورقة معلقة برقبته يريها للحارس .

يا بني ... كأنك تحكي لي ما رأيته مع جدك في تلك الأيام وكانت الساحة مزدحمة بالرجال و النساء و الفرحة تغمر المكان و الأعلام الجديدة ترفرف و كانت البهجة تعم الأزقة و الأروقة في كل اتجاه.

لأنك عشت الأمر من قبل لا ترغب في أن تراه مجددا؟ فهمتك الان أنت لا ترغب في الذهاب لأنك شاهدت الأمر من قبل ... دعني اذهب أنا إذا ...

جدك يقول ... في حينها شعرنا أننا تخلصنا من قهر جثم على أنفاسنا و خنقها لسنين طويلة ، لم نكن قادرين على الإفصاح عما يدور في أذهاننا ، ولم نكن قادرين على الاعتراض ، و الحال الوحيد كان أننا نسير من ظل إلى آخر لأجل لقمة العيش ... و كانت تلك الأحداث بداية جديدة لنا ...

فكانت الحرية و نظرة مستقبلية تشعرنا بأننا أصبحنا أناسا آخرين ، ولكننا فشلنا عندما تأملنا و لم نكن حذرين انتظرنا كل الوعود ولم نسعى لتحقيق أي منها ... و لم نحاسب من قطعها ، و تركنا له الحبل يجرنا به حيث شاء ... و زدنا الطين بلة عندما سكتنا عن الخطأ و أغمضنا العين ، وصار كل منا يضع أربعة أعين على كل من حوله ، وكانت جائزته ان يرتب على كتفه و يعبأ جيبه ببعض علب الطماطم و الدجاج المجمد و يزج الآخر إلى أن يكون عبرة للآخرين ، تفاقم بنا الخضوع حتى أصبحنا نتمنى رجوع من صفقنا لأجل التخلص منه ...

ولكن يا أبي الوقت مختلف ألان و الشعب هو من قام بالثورة ...

يا بني ... إن لم نأخذ بنصيحة جدك فإننا سنعيد الكرة و نعيش ذات الحياة التي عاشها جدك و عشتها معه ... اذكر انه كان دائما قليل الحديث يطيل النظر عندما تسأله ...

أريدك أن تذهب و تقف على المنصة و تخبرهم ... بان مصلحتنا في أن نكون معا ، وان لا نتغالب و نتذاكى على بعضنا ، أن نحب الخير لبلدنا لا لأنفسنا و جهتنا و طائفتنا ، أن نجهز و نسير في طريق توصلنا إلى أن نحكم بالعدل ، أن مصلحتنا القصوى في أن تزدهر بلادنا فيصل إلينا ما نطمع لان نحصل عليه وكل مبتسم ، أخبرهم أن ينهض الجميع و يجدوا و يجتهدوا و يصدقوا النية للخير ، ليعلموا أن لا شيء يكون بلا عمل ولا اجتهاد ولن يعمل احد لأجلهم ما لم يفعلوا ، اخبرهم بان هلاكهم في نسيان تضحياتهم وتناهب أموال بعضهم البعض فأموال الدولة هي أموالهم جميعا، اخبرهم بان يدعو الله أن يوفق من يتولى أمرهم و أن يبحثوا عنه بحثا دقيقا ولا يقبلوا من يطلبهم و يطالبهم بان يتولى أمرهم وذلك ليعينه الله ، وليكونوا عونا على أنفسهم بالفهم و محاربة الجهل و أداء الحقوق ...

أبي هذا كثير علي لأن اخبرهم به ... وهل مني سيسمعون كل ذلك ؟

يا بني ... أنت واحد منهم وجزء مما حدث و عليهم أن يسمعوك ... فان لم يسمعوا لك ... فستجدني ربما قد جهزت حقائبي لأن نبدأ المسير حيث كان جدك قاصدا في أرض الله ...

أبي ...

لا يا أبي لن ابرح المكان ... و سأجعلهم يستمعون ولا يهملون ما سأقول لن نبقى الامر على عواطف و فرحة بلا عمل ... فهذه حياتنا و وفرصتنا لأن نترك أثرا لمن بعدنا ...

لا أريد أن أقول لابني ما قلته لي كما قال لك جدي ...


إنه الوطن يا أبي ... جزء منا ولن يكون إلا بنا وإن لم نقم بما علينا فمن؟



شكراً