خطبة جمعة... أخرجوا الدين من المساجد

By 6/24/2018 10:41:00 م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 



الحمد لله ثم الحمد لله

الحمد لله نحمده ، نستعينه ونستهديه ونسترشده، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا
اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى في السر والعلن.

إخوتي في الله...

لعلكم تحفظون الخطب لكثرة تكرارها وتكرار مواضيعها حتى بات وكأن أغلبنا يحضر إلى المسجد ليرفع الحرج عن نفسه بأنه أدى فريضتها.

ولكن هل حقا نخرج من الجمعة بدروس تحفزنا لنكون إلى الله أقرب؟

أم أننا نعيش الإيمان واللطف والحنية في المسجد ونتركها عند الباب لنستلم طبعنا الحقيقي الذي نعيش به بين الناس؟

يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز الذي بات رمزا للهدية في مناسبات لا ترضي الله ورسوله ، وزينة للمكتبات في بيوتنا ونهجر العمل به سائر أيامنا إلا من رحم ربنا...
بسم الله الرحمن الرحيم

(  اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)) 

 بالله عليكم يا إخوة الإسلام... 
إنا نوقن أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، وليس منا من يجهل معنى الفحشاء والمنكر والبغي...
ولكن ماذا نقول عن المصلين أصحاب القلوب الرحيمة داخل المساجد والساخطين على الناس خارجها؟ 
ماذا نقول عن من يصلي صلاته في وقتها ولكنه يغلق الطريق بركن سيارته فلا يعطي الطريق حقها؟ 
ماذا نقول لمن يصلي ويعادي جاره وليس من جيرانه من يأمنه؟
ماذا نقول لمن يصلي ويسيء لأهل بيته؟
ماذا نقول عن من يطلق لسانه بالسباب واللعان وهو يصلي خمس أوقاته بالمسجد؟
ويطفف ميزانه أو يتأخر عن دوامه؟
ماذا نقول لمن يصلي ويهمل تربية بناته وأبناءه ومتابعتهم وتنشئتهم بالحلال يرحمني ويرحمكم الله.

تظنون أن ما نحن فيه اليوم من حال مرتبط بالساسة وتقصيرهم أو بمؤامرات خارجية تحاك لنا؟

والله إن ما يحدث لنا إنما نتاج ما كسبت أيدينا وبإستهانتنا بأكل الحرام وتبريره وسرقة المال العام وأكل مال اليتيم وظلم الأخوة والأباء والجيران...
ناهيك عن تشتت كلمتنا وتفرق وحدتنا فكان هواننا على الناس ...

ترون كيف أنكم تلينون بيد بعضكم البعض في المسجد عند الصلاة. 
و ترون كيف يعين بعضكم البعض في وضع المصحف مكانه عند بداية الخطبة.

وترون كيف هي قلوبكم الآن خاضعة هادئة لأنكم في حضرة المسجد ستقفون بين يدي الله في صلاتكم، و تنسون أنكم بين يدي الله طوال حياتكم وأنه يراكم من حيث لا ترونه وأنكم محاسبون على كل فعل وحركة وتصرف ولقمة تدخلونها جوفكم وجوف أبناءكم، كما أننا نحاسب على عدم إطاء الطريق حقه، وعلى تأخير حاجة الناس ظلما وجورا وكسلا... ونحاسب على نظرات الحقد التي نتبادلها بيننا وبين بعض وقد وأدنا الإبتسامة إلا من رحم الله.

إخوتي في الله ، لنخرج الدين من المساجد والمناسبات ومن القوالب التي فرضناها عليه وحشرناه فيها ، فديننا دين حياة ودين رحمة ولن يستقيم الحال إلا بأن تكون حياتنا وأعمالنا وعبادتنا لله وحده، ولن أعيد على مسامعكم ما حفظتم من كلمات ، ولكن أذكركم ونفسي أن الله سبحانه سن سننا في هذه الحياة ، فمن إتقى الله وعمل وإجتهد وأخذ بالأسباب وأحسن الأخذ بها فإنه بإذن الله سيحقق ما يريد، ومن تواكل وإنتظر الفرج فيما صنع لنفسه من ضيق دون عمل فسيبقى في إنحدار دائم حتى يتحرك ويبذل جهده ويقوم بواجبه اللازم له.

فكر يرحمك الله أن دينك في قلبك يجب أن يسيطر على حياتك وإلا فإنك ستكون عبدا للعادات والمادة وما يقول الناس وتخشاه أكثر من خشيتك الله والعياذ بالله. 
لنخرج من المسجد اليوم وعزمنا على أن نأخذ الدين معنا ولا نتركه في عند الباب هنا، وأن نطبق اللين والتراحم بيننا في الطرقات والأسواق والمؤسسات والإدارات والأهم في البيوت مع الزوجات والإبناء والبنات، فإن لم تفعلوا أنتم ذلك سيفعل غيركم وتخسروا دينكم ودنياكم والعياذ بالله.
أعاننا الله وإياكم على عيش ديننا في كل تفاصيل حياتنا حتى نلقاه 

((يَا عِبَادِي, إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ, وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا, فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ)).

 ...أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم...

إستغفروه يغفر لكم



الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك.

إخوتي في الله 

إنتماءنا لهذا الدين العظيم من أعظم نعم الله علينا، ولا يجب ان نألفها وننسى أنفسنا في خضم الحياة المادية التي بتنا نعيش... 

وباتت تسرق منا أيامنا ، ولابد أن نعلم أن الدين وشرائعه هي تنظيم لحياتنا وحل مشاكلنا إن فهمناه فهما صحيحا دقيقا.

يحكى أن يهوديا أراد أن يستهزئ بأحد المسلمين فقال له 

ألا يقول كتابكم أن ما فرطنا في الكتاب من شيء؟

فقال نعم بالتأكيد 

يقول الله تعالى في سورة الأنعام ( وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) ) 

نعم وبناء على ذلك هل لك أن تريني من كتابك ، كم لكيس الدقيق أن ينتج من أرغفة الخبز؟

فقال المؤمن بالتأكيد ولكن أعطني بعض الوقت... 

فقال اليهودي هازئا واثقا أنه لن يجد له الجواب من القرآن، خذ الوقت الذي تريد...

بعد أقل من ساعة عاد المؤمن لليهودي وقال له كيس الدقيق يصنع مائتين و خمسين رغيفا...

فضحك اليهودي وسأله أرني هذا من كتابكم... 

فقال المؤمن الواثق الذي فهم القرآن ومقاصده ومعانيه فهما أنار الله به قلبه... إقرأ قوله تعالى 
في سورة النحل الآية ثلاثة وأربعين 
 (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) )) 

فسألت الخباز وأخبرني بخبرته عن الإجابة وأعطاني الكثير من التفاصيل ولكني إختصرت لك الجواب...

هكذا يجب أن نفهم القرآن و نعرف كيف نستنبط منه ما يفيد حياتنا، وكل ما نحتاج هو أن ننصت ونعي ونعقل ونفهم ولا نهمل عقولنا ونشغلها بشهوات الدنيا الزائلة... 

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾
﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].



﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 286].


عباد الله

إنَّ الله يأمُر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القُربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغْي، يعظُكم لعلَّكم تذكَّرون، وأوفوا بعهد الله إذا عاهَدتُم، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، وقد جعَلتُم الله عليكم كفيلًا، إنَّ الله يعلم ما تفعلون.

واذكُروا الله العظيم الجليل يذكُركم، واشكُروه على نِعَمِه يزدْكم، ولَذِكرُ الله أكبر، والله يعلَمُ ما تصنَعون.

شكرا...