الرحلة إلى مكة... ومكة...

By 3/15/2018 09:38:00 م
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته 



عندما سمع أنه سيكون أحد المرافقين في رحلة عُمرة في الأيام الأولى لرمضان... من عينيه أثناء صلاته سقطت دمعة شوق لا يعلم مصدره... وهو يفكر في مشاعر اللقاء وإجابة الدعوة...

أحاسيس فياضة تصيب الإنسان عند عزمه على خوض التجربة والإرتحال لأداء عمرة أو حج ... ولابد أن الحج له مقام مختلف عن العمرة وإن كانت جزء مصغر على الأقل فيه زيارة وطواف بالبيت وزيارة النبي والصلاة في الروضة الشريفة... وكل تلك المشاعر التي تقربك إلى نفسك لقربك من الله ، وشربة من ماء زمزم لتعيش أياما من الذكر والروحانيات العالية جدا وكأنك عدت بنفسك لزمن كانت الحياة فيه تحظى بخير الخلق بين الناس يمشي وبنور وجهه تشرق الأيام... 

أمعي أنت في الإحساس بتلك المشاعر الفياضة؟ التي قد راودتك إن كنت ممن قطعوا تلك المسافات وعاشو اللحظات وإرتقت أنفساهم وسكبت عبراتهم عند الملتزم وأحاطت بهم السكينة بالصلاة في الروضة الشريفة؟ 

أكاد أجزم أنك تعي ما أعنيه جيدا... ولكن لنعد قليلا إلى الواقع الآن ... 

عندما كانت قريش هي القبيلة التي تشرف على البيت الحرام وقد قسمت المهام بين بطونها وكل منهم يقوم بواجبه تجاه حجيج بيت الله ، وكيف كان مشركي مكة ينعمون ببركات مكة بحماية تجارتهم وقوافلهم وإبتعادهم عن النزاعات وأمنهم في مكة ، الأرض المباركة... وكيف أن من أهل مكة من كانت تجارته مبنية على حجيج بيت الله ، حتى أنه قيل أن منهم من أقنع الحجاج أنه لابد أن يشتري ملابس جديدة طاهرة لم يذنب فيها من قبل حتى يقبل حجه ، ومن كان لا يملك المال طاف بالبيات عريانا... 
ماذا أقول؟ أيعقل أن تحترم قريش كقبيلة لأجل أنها القبيلة الحاكمة في مكة؟ وهل يعقل أن يقتنع الناس بأنهم لابد وأن يشتروا الملابس الجديدة أو يطوفوا عراة؟ 

لنعد إلى المشاعر التي أحاطت بنا لتفكيرنا بزيارة البيت الحرام ... أنت مهيأ الآن للرحلة وعليك أن تتبع الإجراءات وفي داخلك دوافع سامية راقية ومشاعر رقراقة ... وترى أن كل السلسلة مرتبطة بشيء واحد... وهو تكبيرك عندما ترى الكعبة لأول مرة بعد وصولك مكة... وتتوقع أن تكون كل الرحلة بذات الإرتفاع للإحساس الذي تحمله وأن التعامل معك ومع رحلتك المقدسة سيكون بذات الرقي الذي تشعر به بداخلك ... لأنك تزور بيت الله الحرام... حيث الصلاة فيه تعادل مائة ألف صلاة في غيره من الأماكن... 
ولكن الواقع غير... ولعلك من المجربين أو تعرف من جرب... حتى وإن طغت مشاعر الفرح عليه لزيارته ولكن إن أخذته على جنب وسألته ، هل كانت حقا رحلة سامية المشاعر كلها؟ 
فغالبا سيقول لك لا... فقد كان هناك الحرمين... وهناك ما خارجهما... في الحرم أنت مع ربك بينك وبينه رغم الإزدحام... خارج الحرمين ... مع ضرورة ذكر الفارق بين المدينة ومكة... أنت في بلد كغيره من البلاد ، مع أناس كغيرهم من الناس... ولكنك تتوقع أنك في بلد الله الحرام وأمامك المسجد الحرام والآذان يرتفع عاليا والناس أفواجا يصلون الجماعة... كيف؟ 
نعم كيف... لأنك تأتي وفي ذهنك تلك المشاعر ... تعتقد أن البلد كله يعيش مشاعرك ... ولكن الحقيقة وعلى ما يبدو أن أهل البلد إلا من رحم الله ، معتادون على كثرة الزوار ولا يهم إن كانت لديك مشاعر رقراقة أو بك شوق أو لا... فمثلا... قد تجد أن من كلف بك من الشركة التي حجزت عليها قد غير مكانك الذي كنت ستسكنه ، وأن الرحلة الموعودة لزيارة الأماكن هي مجرد ركوب الحافلة والمرور بجانبها وليست كما وصفت لك، أو أنك أردت شراء "شحن الهاتف" لتسأل البائع هل لديك "شحن" أصلي؟ فيعطيك ما يبدو عليه أنه بعيد كل البعد عن الإصلي... فتؤكد عليه فيقول لك نعم والله أصلي... تلقي بنظرة من الباب إلى الحرم وتقول له هل ترى الحرم؟ يقول نعم نعم أراه... إذا لما تقول أنه أصلي  وتقسم على ذلك؟
أو ربما تكتشف أنك إشتريت شيئا بزيادة في السعر لتعود لغرفتك وتكتشف أن السعر المكتوب عليها أقل مما دفعت... وباب المحل الذي إشتريت منه مقابل تماما ... لباب السلام... 
وقد يغشك سائق السيارة في التسعيرة أو تشتري عباية صنعت في الصين بثمن أغلى من ثمنها أيضا ... 

وليكون الأمر مختصرا ... فإعلم أنه هناك فرق بين الحياة خارج الحرم ... وزيارتك للحرم... دون تعميم بالتأكيد... ولكن تأكد أيضا ... أن البلد ككل في واد... و الحرمين في واد آخر... ولا إرتباط لهما ببعض... إلا أنهم في أرض واحدة... فقط... 
ولكننا نربط بمشاعرنا البلد كله بهذا المكان ، ربما كما كان يفعل العرب قديما... عندما كان لقريش مكانة فقط لأنهم أهل ذلك البلد وإن كانوا مشركين حينها... 
ولعل هذا التأثير المسبق يكون عند البعض عندما يرون أشخاصا سمعوا عنهم من قبل ، فتكون فكرتهم عنهم هي الفكرة المسبقة وليست الفكرة التي يرونها الآن ، فيتعاملوا بما سبق لا بما هو واقع أمامهم ، رغم أن الواقع أمامهم يخالف كثيرا ما سمعوا مسبقا ... 

فهل نستطيع الفصل بين مشاعرنا وبين ماهو واقع هناك حول الحرم؟ لأن البلد شيء ... وأهله شيء... و الحرمين شيء آخر تماما... ولا تعميم في ذلك ككل مكان... ولكن أيضا كونك ليبي لا يعني أنك كريم وشهم وتخاف الله... ففينا من لا يخاف الله ومن هو بخيل حتى على أهله بالكلمة الطيبة... كغيرنا من البشر... خليط... من كل شيء...
وبالتأكيد أن فلم عمر المختار ساهم في أن يرانا العالم بأننا الشعب المقاتل المجاهد... حتى وإن كان في تلك الفترة من هم خونة باعوا بالمال كل شيء... 

تذكر ، أن رحلتك إلى البيت الحرام... لا علاقة لها بتاتا بعواطفك ومشاعرك الجياشة تجاه المكان... اللهم فقط عندما تكون فيه... بينك وبين ربك...


شكرا...