الوطنية ...

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته




ما الذي يخطر ببالك عندما تسمع رنة هذه الكلمة " الوطنية " ...

مكان عشت فيه ... و لدت ترعرعت ، عرفت فيه من عرفت ... أحببت و صارعت و تدبرت أمرك و عرفت كل زواياه ... إعتاد عليك و عليه إعتدت ... لم يعد غريبا بالنسبة لك ... تشعر فيه بالأمان ...

أصدقاء عرفتهم ... مطاعم زرتها شبعت فيها مع أقرانك عند هروبك من المدرسة يوما ... ذاك الشيخ الذي يبيع الحلوى ... أو شطائر التونة ... و النزول إلى وسط المدينة في الأعياد ...

أم  أن ذهنك يذهب إلى هاجس التضحية من أجل هذا المكان ، و حبه و أساطيره التي لا تنتهي و أغنياته التي يتغنى بها الشعراء و يتفنن في تلحينها الملحنين ، حسب مزاج من على الكرسي يجلس ...

ما الذي يخطر ببالك مع هبوب نسمة الوطن ؟

وربما علينا أن نسأل من أين أتى مفهومنا للوطن اليوم ...

كلما بحثت عن معنى كلمة الوطن ... و جدتها مرتبطة بالمكان الذي تعيش فيه أو بمربط الغنم ... و المكان الذي تعتاد عليه و تتخذه لنفسك وطنا  ... و يستخلص دائما أنه المكان الذي تعيش فيه ...

متى بدأ هذا المفهوم للوطنية ؟

إن جلسنا برهة صدق مع أنفسنا ... و راجعنا ما الذي جنيناه من الوطنية ؟

هناك في أقصى الشرق ... بلد يقول أهله أنهم وطنيون يحبون بلادهم و علمهم ... يحبون حاكمهم و يحبون لهجتهم  و هناك أيضا في أقصى الغرب علم و دولة و لهجة و و طن ... و في المنتصف علم آخر و و طن آخر و لهجة أخرى و عادات أخرى و حدود مختلفة ...

شرطي يقف على هذا الجانب من الحدود و شرطي آخر هناك ... ممنوع أنا من تخطي هذا الحد إلا بإذن أو بأمر ... و ربما بإجراءات مسبقة ... أسموها تأشيرة ... لتكون إشارة على كتاب صغير ... إسمه جواز ... يجوز لي أن اسافر بوجوده ...بعد وضع تلك التأشيرة...


لا بأس بالنظام ... ولكن ... هذا الذي هناك يقول أنه وطني ... و مستعد للموت من أجل وطنه ... و هل يا ترى هو مستعد للموت من أجل وطني أنا ؟

وهل أنا مستعد لأمون من أجل وطنه هو؟

أم أن لكل منا شأنه و لكل منا وطنه و حياته الخاصة به ؟

لن يهتم ذاك الذي في أقصى الشرق لوطن يعيش فيه أناس لا يعرفهم أقصى الغرب ... و لما يهتم ... فلا يربط بينهم وطن ولا دم ... ولا يربط بينهم لغة أو لهجة ... ربما يربط بينهم شيء واحد فقط ، لم يعد له تلك القوة في الواقع ... ربما فقط ... في ساحات الإحتجاج كهبة تهب و تنتهي ...

أتدري ما هو هذا الشي الذي لم يعد له أهمية في الربط بين مواطني كل تلك البلاد ؟

قد تعارض أنه ليس بشيء لا أهمية له ... و بالتأكيد هو شيء مهم ولكن لم يعد أحد يهتم له ... فلم يعد هو الرابط بيننا ... فكل له وطنه و كل له موطنه الذي يخاف عليه و يحميه و مستعد للتضحية من أجله ... ولا حاجة له بالتفكير في غيره ...

لن تصدقني إن قلت لك أن الوطنية شيء أدخل بيننا الفرقة ... أدخل فينا الكره و الإنفصال ... و لم نعد كما يجب ، أو على الاقل ...

لا ... لا يوجد أقل في هذا ... فلم نعد على قلب واحد ... بل أصبحنا أوطان متفرقة ... لا قلوب ولا صوت ... وربما حتى بلا أوطان ... و إياك ان تهز فيك هذه الكلمة حنينا لما تعيش من أوضاع قد لا يكون لها وجود غدا ... ربما ... 

هل لي أن اذكرك ... بقوله تعالى ... 


((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) ))


هل ترى لهذا تحققا مع الوطنية التي يتشربها الجميع منذ ولادتهم كل في وطنه ؟ 

حتى بات العداء مستعرا بين الأخوة ؟  

فقط لأن كتيبات ما يجيز السفر تصدر من هيأت مختلفة بأسماء مختلفة من بقاع مختلفة من الأرض ... و إن كانت كلها تحمل ... الديانة ... مسلم 


شكراً...